(الدجال) قيده به؛ ليمتاز عن عيسى - عليه السلام -. من الدجل وهو الخلط سمي به؛ لكثرة خلط الباطل بالحق، أو من دجل أي: كذب، والدجال: الكذاب، وأما تسمية عيسى المسيح: فلأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهةٍ لا برأ أو لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له، أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بدهن. وعن بعضهم أن الدجال مسيخ بخاء معجمة، لكن ينسب إلى التصحيف.
(من فتنة المحيا) بفتح الميم أي: مما يعرض للإنسان في حياته من الآفتان أي: الابتلاء بالدنيا، والشهوات، والجهالات. (وفتنة الممات) أي: ما يفتن به عند الموت في أمر الخاتمة، وبعده في أمر السؤال، وذْكر فتنتي المحيا والممات من ذكر عام بعد خاص، بطريق اللف والنشر غير المرتب؛ إذ فتنة المحيا أعم من فتنة الدجال، وفتنة الممات أعم من عذاب القبر.
(من المأثم) أي: مما يأثم به الإنسان، أو من الإثم نفسه. (والمغرم) أي: الدين فيما لا يجوز، أو فيما يجوز، لكن عجز عن وفائه فإما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه، واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - مما ذكر؛ تعليم لأمته، وإلا فهو معصومٌ من ذلك. أو إنه سلك به مسلك التواضع، وإظهار العبودية، والخوف منه، والافتقار إليه، وإنما استعاذ من فتنة الدجال مع أنه لم يدركه؛ لأن فائدته، كما علم تعليم أمته؛ لينتشر خبره بينهم جيلًا بعد جيل حتى لا يلتبس كفره عند خروجه على من يدركه. وإنما استعاذ من عذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، والمأثم، والمغرم مع أنها داخلة في فتنة المحيا والممات؛ لعظم شأنها، وكثرة شرها.