للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذكرَ المُشَبَّه وأسْندَ إليهَ مَا هُو من خَواصِّ المشبه به، وهو البناءُ، ويسَمَّى ذَلِكَ استعارة بالكناية كأنبت الربيعُ البقلَ، ويجوز أنْ تكون الاستعارة تبعيةً، بأنْ شبه ثبات الإسلام على الأمور الخمسة ببناء الخباء على الأعمدة الخمسة، ثمَّ مرَّتْ الاستعارة منَ المصدرِ إلى الفعلِ، ووجهُ الحصرِ في الخمسة: أنَّ العبادةَ إما قولية وهي الشهادة، أو غير قولية، فإِما تركيٌّ وهو الصوم، أو فعليٌّ، فإما بدنيُّ، وهو الصلاة، أو ماليُّ، وهو الزكاة، أو مركبٌّ منهما وهو الحَجُّ.

قال النَّوويُّ: وَحُكْمُ الإِسْلَام في الظَّاهِرِ ثَبُتَ بالشهادَتَيْنِ، وإنَّما أضيفَ إليهما الصلاةُ ونحوهَا، لِكونِها أظهَر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلاله انتهى. فالإسلام الحقيقي يحصل بالشهادتين (١) بشرطِ التصديقِ كما مرَّ، والكاملُ يحصلُ بالأمور الخمسة، فإن قيلَ: إذَا كانَ حصولُه بالخمسةِ فهُوَ عَيْنُهَا، والمبني يجب أنْ يكون غير المبنى عَلَيْهِ وأُجِيْبُ: بأنَّ الإسلامَ هو المجموع، والمجموعُ غيرُ كلٍّ منْ أركانهِ، فإنْ قيلَ فالأرَبعةُ لَا تَصِحُّ إلا بالأوَّل فهي المبنية، وهو المبنى عليه، فلا يجوز إدخالهما في سلكٍ واحدٍ، أجيبُ: بأنهُ لا امتناع أنْ يكونَ أمرًا مبنيًّا على أمرٍ، ثمَّ الأمرُ أنْ يكون مبينًا عليهُمَا شيء آخرُ، أو إِنَّ مَعْنَى بناءِ الأَرْبَعَةِ مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِا، وذلك غير معنى بناءِ الإسلام على الخمسِ فإنْ قيلَ: لِمَ لمْ يذكر مع [الخمس] (٢) الجهادِ؟ أجيبُ بَأنَّهُ: لم يكنْ فرضًا، أو كانَ فرضه فرضَ كفايةٍ، بخلافِ الخمس، فإنَّهَا فرائضُ أعيانٍ.


(١) "صحيح مسلم بشرح النووي" ١/ ١٤٨.
(٢) من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>