مفتاحًا، ولفظُ (الغيب) قرينة (خمس) اقتصر عليها وإنْ كان الغيبُ لا يتناهى، قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} إما لأنَّ العددَ لا ينفي زائدًا عليه، أو لأنَّ الخمسَ هي التي كان القومُ يدَّعون علمها، أو لأنَّها التي كانوا يسألونه عنها، أو لأنَّها أمهات الأمور، لأنَّها إما أنْ تتعلقَ بالآخرة: وهو علم الساعة، أو بالدنيا وذلك إما متعلِّقٌ بالجماد المأخوذِ من الغيثِ، أو بالحيوانِ في مبدئه: وهو ما في الأرحام، أو معاشِه: وهو الكسبُ، أو معادِه: وهو الموتُ، ولم يصرح في الحديث بعلم الساعةِ، كما صرَّح به في الآية؛ لشمول علم ما في الغد له. (مَا في الأرحَاِم) أي: أهو ذكرٌ أم أنثى، أشقى أم سعيد (ولا تَعلَمُ نَفسٌ) عبر فيه وفيما بعده بنفس، وفي الثلاثة الأخرى بأحد؛ لأنَّ النفسَ هي التي تكسب وتموت قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر -٣٨] وقال {اللهُ يَتَوَفىَ الأَنفُسَ}[الزمر - ٤٣] فلو عبَّر بأحد فيهما لاحتمل أن يفهم منه لا يعلم أحد ماذا تكسب نفسُه، أو بأي أرضٍ تموت نفسه، فتفوت المبالغة المقصودة، وهي أن النفس لا تعرف حال نفسها حالًا ولا مآلًا، وإذا لم يكن لها طريق إلى معرفتهما كانت إلى معرفة ما عداهما أبعد.