مكة" (١) لأنَّ المرادَ: أنه بلغ حرمَ الله، وأظهره بعد أنْ رفعَ البيتَ إلى السماءِ وقت الطوفانِ، واندرست حرمتها، وإلا فهي محرمةٌ من يومِ خلقِ الله السموات والأرض.
(يؤمنُ بالله واليومِ الاخر) إشارة إلى المبْدَأ والمُعَاد، وكل ما يجب الإيمانُ به لا يخرجَ عنهما، وقيد بالمؤمن؛ لأنه الذي ينقادُ للأحكام وينزجرُ، وإلَّا فالكافر أيضًا مخاطبٌ بفروعِ الشريعةِ.
(أنْ يسفك) بكسرِ الفاءِ أشهرُ من ضمِّها، والسفكُ: صبُّ الدماء، أشار بذلك إلى القتل (بها) في نسخةٍ: "فيها". (ولا يعضد) بكسرِ الضادِ أشهرُ من ضمها، وزيدت لا للتوكيدِ (شجرة) أي: ذات ساقٍ، سواء أنبتها الآدميُّ أمْ لا.
(فإن أحدٌ ترخَّص) برفعِ (أحد) بفعلٍ مقدر يفسره ما بعده، والترخُّص من الرُّخصةِ، وهي ما غيِّر من الحكمِ تخفيفًا لعذرِ مع قيامِ الموجب الأولِ لولا العذر. (لِقتال رسولِ الله) تمسَّك به من قال: فتحت مكةُ عنوةً، جوابه عند القائلِ: فتحتْ صُلحًا: أن المعنى ترخَّص بحل القتالِ؛ لأنَّه أحل له ساعة، ولا يلزم من حل الشيءِ وقوعه.
نعم هو - صلى الله عليه وسلم - دخلها متأهبًا للقتال لو احتاج إليه، ولا يعرف أنه - صلى الله عليه وسلم - نصب لهم حربًا فطعن برمحٍ، أو رمى بسهمٍ، أو ضرب بسيفٍ، أو نحو ذلك. وأما قَتْلُه من استحق القتلَ خارج الحرمِ في الحرمِ، فليس من معنى القتالِ في شيءٍ.
(وإنما أَذن لي) بفتحِ الهمزةِ وضمِّها. وليس عدولُه عن قوله له التفاتًا؛ لأنَّ السياق في (لقتال رسولِ الله) حكايةُ قولِ المترخِّص. وسياقُ هذا هو: تضمينه جواب المترخِّص، وقضيةُ الالتفاتِ تقتضي اتحادَ السياقِ.
(١) سيأتي برقم (٢١٢٩) كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده، وأخرجه مسلم برقم (١٣٦٠) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها.