للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرفضها ولم يقبلها، واكتفى منها بما يصلح حاله ويسد رمقه. فلم يقبل من حاكم صلة أو عطية، ذهب إلى الخليفة القائم بأمر الله يوما ليهنئه بالشفاء من مرض أصابه، فلما خرج من عنده أتبع بجائزة سنية فلم يقبلها (١).

ولم يعرف عنه أنه وقف بباب حاكم أو سلطان من أجل الدنيا (٢) مع فقره وحاجته، فقد كان يمر به أوقات يقتات الخبز اليابس يبله بالماء ويأكله حتى لحقه المرض بسبب ذلك (٣). وكان ينهي دائمًا مخالطة أبناء الدنيا والنظر إليهم والاجتماع بهم، ويأمر بمخالطة الصالحين والاشتغال بالعلم. لما قدم الوزير ابن دارست إلى بغداد ذهب أحد تلاميذ أبي يعلى، أبو الحسن النهري ليبصره، فلما علم عنفه وأنكر عليه إنكارًا شديدًا، وقال: ويحك تمضى وتنظر إلى الظلمة (٤).

وعرض عليه منصب القضاء عدة مرات فلم يقبله، وهذا أكبر دليل على ورعه وزهده في الدنيا وعدم الافتتان بمظاهرها، وإلا لما فوّت ما يمر به من فرصها الثمينة التي تضفي على من كان أقل منه مكانة العظمة والجلال.

وبزهده وورعه وفضله شهد العلماء.

قال فيه أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي الحافظ:

حللت عن التصنع في وداد … فلم تر في توددك اعوجاجا

وقد كثر المداجي المرائي … فلا تحفل بمن راءى وداجا

حببت معمرا وجزيت خيرا … وعشت لدين ذي التقوى سراجا

وقال فيه الذهبي:

"… وكان ذا عبادة وتهجد وملازمة للتصنيف مع الجلالة والمهابة، وكان متعففًا، نزيه النفس، كبير القدر، ثخين الورع" (٥).


(١) طبقات الحنابلة ٢/ ٢٢٣.
(٢) المرجع السابق ٢/ ٢٠٣.
(٣) المرجع السابق ٢/ ٢٢٣.
(٤) المرجع السابق ٢/ ٢٢٢.
(٥) سير أعلام النبلاء ١٢/ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>