للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليكفر (١) وقوله: ﴿واستفزز من استطعت منهم بصوتك﴾ (٢). ونحو ذلك فلو ورد هذا اللفظ مبتدأ عاريًا من دلالة الحال لكان ظاهره يقتضي إباحة جميع الأفعال، وهو في هذه الحال وعيد، وزجر، بخلاف ما يقتضيه اللفظ المعلق العاري من دلالة الحال ومن نظائر ذلك قول النجاشي:

إذا الله عادى أهل لؤم وقلة … فعاد بني العجلان رهط ابن مقبل

قبيلة لا يغدرون بذمة … ولا يظلمون الناس حبة خردل

ومعلوم أن الناس يتمدحون بدفع الظلم والغدر عن أنفسهم وهو في هذا الموضع ذم وهجاء لخروج اللفظ مخرج الهجاء فكان معناه أنهم أقل من أن يوثق بهم بذمة يغدرون بها وأعجز من أن يظلموا أحدًا فكانت دلالة الحال ناقلة لحكم اللفظ إلى ضد مقتضاه هـ وموجبه لو كان ورد مطلقًا وقد اعتبر قوم في هذا المعنى مسائل في الفقه فيمن قامت امرأته لتخرج فقال لها: إن خرجت فأنت طالق أنها إن قعدت ثم خرجت بعد ذلك لم يحنث وكذلك لو قال لرجل تغد عندي اليوم فقال إن تغديت فعبدي حر، أن هذا على ذلك الغداء بعينه. فإن تغدى عنده بعد ذلك لم يحنث فصارت اليمين على الفور لدلالة الحال عليها وكذلك لو خالعها بغير عوض ونوى به الطلاق كان طلاقًا ولو خالعها بعوض ونوى به الطلاق لم يكن طلاقًا. لدلالة الحال وهو بذل العوض كذلك هاهنا يجب أن يكون قوله في حال الغضب والخصومة يا حلال بن الحلال خلقت من نطفة حلال أن يكون قذفًا لدلالة الحال ولأن أكثر ما في التعريض أنه كناية عن القذف وقد أجمعنا على أن قذف الأخرس ولعانه يصح وإشارة الأخرس بالقذف إنما هي كناية عن القذف وقد صحت كذلك في الناطق.

ووجه الثانية أن كلما كان كناية في حال الرضا كان كناية في حال الغضب فلو قال ما أنا بزانٍ ولا أمي زانية لم يكن اعتراضًا فوجب أن لا يكون لغيره قذفًا ولأن الله تعالى أباح التعريض بخطبة النساء في العدة فقال: ﴿ولا جناح


(١) سورة الكهف (٢٩)
(٢) سورة الإسراء (٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>