للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجه الدلالة أنه قال: أقسمت ولم يقل: أقسمت بالله وجعله النبي يمينا ونهاه عنه، وكذلك روى أن صفوان بن عبد الرحمن جاء بأبيه إلى النبي يوم الفتح فقال: يا رسول الله بايعه على الإسلام والهجرة، فقال النبي : لا هجرة، فقال العباس: أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه، فبايعه النبي وقال: بررت عمي ولا هجرة (١). فجعل قوله: أقسمت عليك يمينا وأخير أنه بر فيه فدل على أنه بمجرد يمين. ولأن القسم لا يقع بغير الله وقوله أقسم كقوله: أقسم بالله، كالحج لما لم يقع لغير الله كان قوله: "علي حجة" كقوله لله علي حجة، ولأن قوله: أقسمت يقتضي مقسمًا به وهو منهي عن القسم بغير الله وإن أطلق، فالظاهر أنه أراد به القسم بالله، فصار كما لو قال: أقسمت بالله.

ووجه الثانية: أنه لفظ عري عن ذكر الله واسمه وصفاته فلم يكن يمينًا يكفر، كما لو قال: وحق أبي وحق الكعبة، ولأن الأيمان تتعلق بصريح اللفظة ولا تتعلق بالكتابة، وألا ترى أن الرجل إذا قال: والله لا كلمت زيدًا، فقال الآخر: يميني في يمينك، لم ينعقد يمين الثاني لأنه كناية؟ كذلك ها هنا.

ووجه ما نقله المروذي أنه قال: أقسمت فقد أتى بحرف القسم وهو الألف قال الله تعالى: "إذ أقسموا ليصر منها مصبحين" (٢)، "يعني حلفوا، وليس كذلك إذا قال: قسمت لأنه لم يأت بحرف القسم. وقال تعالى: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا .. " (٣) .. يعني قسمة المال دون اليمين، وفارق هذا أقسمت فإن قال: أشهد لا فعلت كذا ولم ينو به اليمين فهل يكون يمينًا؟

فنقل أبو طالب إذا قال: أشهد هو يمين ولعمري ليس بشيء، فظاهر هذا أنها يمين نوى بها اليمين أو لم ينو بها ويجب أن تخرج على روايتين مثل قوله أقسم لا فعلت كذا هل يكون يمينًا بغير نية؟


(١) السنن الكبرى للبيهقي - كتاب الأيمان - باب إبرار المقسم ١٠/ ٤٠ والفتح الرباني - كتاب الأيمان - باب الأمر بإبرار المقسم ١٤/ ١٧٦ حديث ٣٢.
وسنن ابن ماجة كتاب الكفارات باب إبرار المقسم ٢/ ٦٨٣ حديث ٢١١٦
(٢) سورة القلم ١٧
(٣) سورة الزخرف ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>