للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أن كل واحد منهما إخبار عما في الذمة، وأما قوله: له علي وقضيته، فهذا لا يشهد به، لأنه ليس بإقرار صحيح، لأنه قرن به ما أسقط حكم الإقرار وهو القضاء، فهو كما لو سمعه يقول: له علي مائة إلا خمسين فإنه لا يشهد، لأنه وصل به ما دفع بعض ذلك.

والوجه لمن منع شهادة المختبئ من الشهادة على من سمعه، يقر ولم يشهد على نفسه، ما روي عن النبي أنه قال: من حدث بحديث ثم التفت فهي أمانة (١).

قيل معناها أنها أمانة أن تذكر عنه الإلتفاتة وحذر من قوله بها، ولأن شاهدي الفرع لو سمعا شاهدي الأصل يقولان: أشهدنا فلان على فلان بكذا، لم يصح لشاهدي الفرع أن يشهدا بذلك حتى يقول لها شاهدا الأصل: اشهدا على شهادتنا أن فلانًا أشهدنا، كذلك ها هنا.

ووجه من قال: تجوز الشهادة احتج بما روي عن عمرو بن حريث أنه أجاز شهادة المختبئ، وقال: كذلك يفعل بالخائن أو الفاجر (٢)، ولأن الشاهد إنما يصير متحمِّلًا للشهادة بأن يقع له العلم بما يشهد به وقد وقع فإنه شاهد المقر وسمع إقراره، وكذلك العقود والأفعال وكل هذا قد حصل له فيجب أن تجوز شهادته، ومن قال بهذا فرق بين هذا وبين الشهادة على الشهادة بأن قول شاهد الأصل أشهد أن لفلان على فلان كذا تنقسم إلى حقيقة الشهادة على علم منه بذلك من غير شهادة، فلهذا لم يصر متحمِّلًا من غير أن يقول: اشهد على شهادتي وليس كذلك أصل الحق، لأن من عليه الحق متى قال لفلان كذا وكذا فهو إخبار عن واجب، لأن على من حروف الوجوب فلا يحتمل غير الواجب، فلهذا صار شاهدًا عليه به.


(١) سنن أبي داود - كتاب الأدب - باب في نقل الحديث ٥/ ١٨٨ حديث ٤٨٦٨.
وسنن الترمذي في البر والصلة - باب ما جاء أن المجالس بالأمانة ٣/ ٢٣٠ حديث ٢٠٢٥.
ومسند الإمام أحمد ٣/ ٣٥٢ و ٣٨٠.
(٢) أخرجه البخاري تعليقًا - في كتاب الشهادة - باب شهادة المختبئ ٢/ ٩٩.
والبيهقي - في كتاب الشهادات - باب ما جاء في شهادة المختبئ ١٠/ ٢٥١.
وعبد الرزاق - في كتاب الشهادات - باب السمع شهادة وشهادة المختبئ ٨/ ٣٥٦ رقم ١٥٥٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>