أمير المؤمنين إن أولى الأمور أن تفتح بها الحوائج ويرجى بها الزلف ما كان لله عز وجل رضى، ولحق نبيه صلى الله عليه وسلم أداؤه، ولك فيها ولجماعة المسلمين نصيحة. وعندي نصيحة لا أجد بدا من ذكرها فأخلني. قال: دون أبي محمد. قال: نعم. فأخلاه. فقال: قل. فقال: يا أمير المؤمنين إنك عمدت إلى الحجاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه وبعده عن الحق وركونه إلى الباطل فوليته الحرمين وفيهما من فيهما وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار والموالي المنتسبة إلى الأخيار، يسومهم الخسف ويقودهم بالعسف ويحكم فيهم بغير السنة ويطردهم بطغام من أهل الشام ورعاع، لا روية له في إقامة حق ولا إزاحة باطل، ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك، وفيما بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلصك، لا والله فابق على نفسك أو دع.
فاستوى عبد الملك جالسا وكان متكئا، وقال: كذبت لعمر الله رمت ولؤمت فيما جئت به، قد ظن بك الحجاج ما لم يجده فيك، وربما ظن الخير بغير أهله، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد. قال: فقمت والله ما أبصر طريقا، فلما خلفت الستر لحقني لاحق من قبله فقال للحاجب: احبس هذا وأدخل الحجاج، فلبثت مليا لا أشك أنهما في أمري، ثم خرج الإذن فقال: قم يا بن طلحة فادخل، فلما كشف الستر لقيني الحجاج فاعتنقني وقبل ما بين عيني ثم قال جزاك الله عني أفضل الجزاء، والله لئن سلمت لك لأرفعن ناظرك ولأعلين كعبك ولأبيعن الرجال غبار قدميك، قال: فقلت في نفسي: يهزأ بي فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني، ثم قال: يا ابن طلحة لعل أحدا من الناس أشركك في نصيحتك؟ قال: قلت لا والله ولا أعلم أحدا كان أظهر عندي معروفا ولا أوضح يدا من الحجاج، ولو كنت محابيا أحدا بدين لكان هو، ولكني والله آثرت الله ورسوله والمسلمين، قال: قد علمت، ولو أردت الدنيا لكان لك في الحجاج أمل، وقد أزلته عن الحرمين لقولك وأعلمته أنك [استنزلتني له عنهما استصغارا لهما ووليته العراقين، وأعلمته أنك استعهدت مني ذلك استزادة له] فاخرج معه فإنك غير ذام صحبته.