رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين إلا له، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسكوا عن الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه كمثل يحيى بن سعيد، ومالك بن أنس وأمثالهما، وكان يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابته من سقيمه وخطأه من صوابه، وجرحوا رواته: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به، على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، فأخرج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح، وعدله بعد ما جرحه.
وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديثه، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين.
ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه؟ فقال لي: عكرمة عندنا إمام الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه. قال: وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بحديث عكرمة، فأظهر التعجب.
وقال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار: روى عن عكرمة مائة وثلاثون - أو قال: قريب من مائة وثلاثين - رجلا من وجوه البلدان، من مكي ومدني وكوفي وبصري وسائر البلدان، كلهم روى عنه، رضي به.
وقال أبو عبد الله الحاكم في " تاريخ نيسابور ": ورد عكرمة خراسان مع يزيد بن المهلب، فنزل نيسابور مدة، وأفتى بها، وقد حدث بالحرمين ومصر والشام والعراق، وخراسان، فأما أهل الحرمين من التابعين فقد أكثروا الرواية عنه مثل عمرو بن [ق ١٢٧ / أ] دينار، وعطاء بن أبي رباح، ومن أهل مصر: يزيد بن أبي حبيب وغيره، ومن اليمن: الحكم بن أبان، وإسماعيل بن شروس ووهب بن نافع، ومن الشام: مكحول وأبو وهب الكلاعي، وسليمان الأشدق، ومن العراق: قتادة، وأيوب، ويونس بن عبيد، ومن خراسان: يزيد النحوي، وعيسى الكندي، وعبد الله العتكي وغيرهم.