قدمت طلبت ذلك، فوجدته كتبه قد ذهبت بسقوط همم أهله، وكان معاوية يغرب بحديث أهل الشام جدا، وكان أغرب حديثه روايته عن أبي الزاهرية حدير بن كريب، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو طريق غريب ثابت من حديث الشاميين، لا يوجد إلا عند معاوية بن صالح، ورحل زيد بن الحباب العكلي من العراق إلى الأندلس، وأخذ عن معاوية، واجتمع معاوية مع زياد بن عبد الرحمن شبطون - وكان ختنه - عند مالك بن أنس، فسأل معاوية مالكا عن نحو مائتين مسألة، فأجابه، وكشف زياد مالكا، فقال: يا أبا عبد الله، كيف رأيت معاوية؟ فقال مالك: ما سألني قط أحد مثل معاوية بن صالح، وكان عبد الرحمن قد وجهه إلى الشام إلى أخته شقيقته أم الأصبغ، يذكر لها ملكه وأن تقدم عليه، فأبت من ذلك، وحج معاوية ذلك العام، ثم إن عبد الرحمن عتب على معاوية بن صالح في بعض الأمور، وجفاه حتى ساءت حاله، وتكلم فيه عند عبد الرحمن ابنه سعيد إلى أن رضي عنه، وعاد إلى معاوية من حسن رأي عبد الرحمن بعض ما كان يعرف، وتوفي معاوية في آخر أيام الأمير عبد الرحمن، وتوفي عبد الرحمن سنة اثنين وسبعين ومائة في ربيع الآخر.
وذكر أبو مروان ابن حيان في «المقتبس من أخبار الأندلس» أن عبد الرحمن أرسله ليحمل أختيه شقيقتيه؛ أم الأصبغ أمة الله، وأم المغيرة أمة العزيز، وقال محمد بن الحارث: وهو معاوية بن صالح بن عثمان المعروف بحدير، وقيل: حريز بن سعيد، والمزي قال: حدير، وقيل: عثمان، وهو غير جيد، لهذا قال: وكان من جلة أهل العلم وكبار رواة الحديث، وروى عنه جلة أهل العلم، وذكر أن مالك بن أنس روى عنه حديثا واحدا، وقال محمد بن وضاح: قال لي يحيى بن معين: هل جمعتم حديث معاوية؟ قلت: لا. قال: أضعتم والله علما عظيما، وعن يحيى بن يحيى: أول من دخل الأندلس بالحديث معاوية بن صالح، وكان راوية لحديث أهل الشام، وطال عمره حتى انفرد في زمانه. قال محمد بن حارث: ولما رجع معاوية من الشام من