وكان من عقلاء الرجال وزهاد أهل البصرة، وذوي الفضل والورع منهم، وتنبه بحسن فطنته من أمر العروض وأوزان الشعر والعلم بالعربية والأبنية وتركيب الحروف بعضها من بعض على ما لم ينبه عليه أحد قبله ولم يبلغه فيه من بعده، وهو حكيم الإسلام غير مدافع، لا يعلم أنه اجتمع لأحد من أهل الإسلام من حسن الفهم وصحة الفطنة وذكاء القلب وحدة القريحة ونفاذ البصيرة ونزاهة النفس ما اجتمع له.
وكان صاحب سليمان بن حبيب المهلبي لما تقلد الأهواز فلم يحمد أمره فرجع إلى البصرة وقال:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
ومما أبدع فيه قوله:
كفاك لم يخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة تسعة
وكف ثلاثة آلافها ... وتسع مائها لها شرعة
قال: لأنه وصف انقباض اليد بحالتين من الحساب مختلفتين في العدد متشاكلتين في الصورة.
وفي «بغية الساعة» لابن المفرج: يكفي فيه قول أبي عمرو بن العلاء: من أحب أن ينظر إلى رجل صيغ من ذهب فلينظر إلى الخليل، ثم أنشد:
قد صاغه الله من مسك ومن ذهب ... وصاغ راحته من عارض هطل
وفي قول المزي: وزاد غير السيرافي بيتا ثالثا وهو:
فالرزق - عن قدر - لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
نظر؛ لأن هذا ثابت في «كتاب السيرافي»، في نسخة كتبت عن القالي في الأصل.