وروى المدائني أنه كان من خيار المسلمين وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدرًا وما بعدها من المشاهد وكان من ذوي البصائر [ق ٢١٨/أ] في صحابة علي وكان معاوية أعطاه الأمان، فدخل إليه يومًا فخاطبه بما أحفظه، فأجمع على قتله فخرج عمرو إلى العراق، واستخفى، فأخذت زوجته فحبست في دمشق سبع سنين إلى أن قتل عمرو، وكان يتنقل في البلاد حتى صار إلى ناحية الموصل مستترًا، وألح معاوية في طلبه وكان معه رفيق اسمه زاهر فلسع عمرو في جوف الليل فقال لرفيقه: يا زاهر إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني أنه سيشترك في قتلي الجن والإنس وقد لسعت، وما أشك أن الطلب يظفر بي، فإذا نظرت إليهم تنح عني، فإذا قتلوني وأخذوا رأسي فوارني، وعف أثري، فلما أصبح دخل الطلب عليه الكهف، وضربوا عنقه في موضع المسجد فلما انصرفوا جاء زاهر فواراه، ويقال: إن صاحبه دل عليه أيضًا فقتل.
وذكر محمد بن جرير الطبري: عن أبي مخنف، أن عمرًا كان من أصحاب حجر، فلما كان من أمر حجر ما كان، طلب زياد رؤساء أصحابه فخرج رفاعة بن شداد وابن الحمق من الكوفة خوفًا منه، حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل، فكمنا في جبل وبلغ عامل ذاك الرستاق أمرهما، فاستنكر شأنهما وهو رجل من همدان يقال له: عبد الله بن أبي بلتعة، فجاء يريدهما فوجد عمرًا قد سقي بطنه لم يكن له امتناع، وأما رفاعة فهرب فسألوا عمرًا من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر عليكم فسألوه عن أمره فأبى أن يخبرهم، فبعث به صاحب الرستاق إلى عامل الموصل عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي، فلما رأى عمرًا عرفه فكتب إلى معاوية يخبره فكتب إليه: إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كن معه وإنا لا [ق ٢١٨/ب] نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات كما ذكر أنه طعن عثمان، فأخرج إلى دون الدير الأعلى، الخالدي يمدح بها الأمير أبا عبد الله:
جددت من قبر عمرو مشهدًا ... شهدت له التقى بصلاح غير مجهول