وكان ربما أصابه العطش فلا يستسقي حتى يعود إلى منزله، وقال له أبو عمرو الزعفراني: إني إخالك جبانًا. قال: ولم؟ قال: لأنك مطاع ولا تناجز هذا الطاغية. قال: ويحك، أبجند شر من جندهم ورجال شر من رجالهم؟! أما رأيت صنيعهم بفلان وخذلانهم لفلان وفلان؟ وذكر أنه كان يأتي أمه كل يوم يستقضيها حاجة، فجاءها يومًا فلم تكلمه بشيء على وجه الامتحان [ق ٢٤٤/أ] له، فما زال واقفًا إلى أن سمع أذان الظهر فقال: الآن وجب علي أمر فوق أمرك. وانصرف.
وكان شبيب بن شبة من أصحابه، فلما ولي الأهواز لم يكلمه، فعطس يومًا عند عمرو فقال: الحمد لله رب العالمين. فلم يشمته عمرو، فأعاد فلم يشمته، فأعاد الثالثة ورفع صوته فقال عمرو: لو أعدتها حتى تخرج نفسك ما سمعت مني: يرحمك الله.
وفي " تاريخ " المنتجالي: عن أبي سعيد الأعرابي: كان عمرو بن عبيد كذابًا قدريًّا داعية، حذر منه الحسن وغيره وقالوا: هو ضال مضل، وأول من تسمى بالاعتزال، وعن ابن معين: كان عمرو رجل سوء من الدهرية. قيل: وما الدهرية؟ قال: الذين يقولون: إن الناس مثل الزرع. وقال سلام بن أبي مطيع: لأنا للحجاج بن يوسف أرجى مني لعمرو، إن الحجاج إنما قتل الناس على الدنيا، وعمرو أحدث بدعة يقتل الناس بعضهم بعضًا على دين.
وعن عاصم الأحول قال: جلست إلى قتادة فذكر عمرًا فوقع فيه، فقلت: يا أبا الخطاب، ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض! فقال: يا أحول، أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم. فجئت من عند قتادة وأنا مغتم بقوله في عمرو، وما رأيت مثل نسك عمرو وهديه، فوضعت رأسي بنصف النهار فإذا أنا بعمرو والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله – تعالى – قال: فقلت: سبحان الله، تحك آية من كتاب الله تعالى؟! قال: إني سأعيدها. فتركته حتى حكها. فقلت: أعدها. قال: لا أستطيع.