وكان مِن شُهودِ هذه الصلاة والدي الشيخ "محمد شاكر" وكيل الأزهر سابقًا - رحمه الله -، فقام بعدَ الصلاة يُعلِنُ للناس في المسجدِ أنَّ صلاتَهم باطلة، وأمَرهم أن يُعيدوا صلاةَ الظُّهرِ، فأعادُوها، ذلك أن الخطيبَ كَفَر بما شَتَم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعريضًا لا تصريحًا .. وجاء الخطيبُ الأحمقُ الجاهلُ يريدُ أن يَتملَّقَ عظمةَ السلطان - رحمه الله -، فمدَحَه بما يُوهِمُ السامعَ أنه يريدُ إظهارَ مَنْقَبَةً لعظمته، بالقياسِ إلى ما عاتَبَ اللهُ عليه رسولَه، واستغفَرَ من حكايةِ هذا، فكان صُنع الخطيبِ المسكينِ تعريضًا برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَرضى به مسلمٌ، وفي مُقَدِّمَة من ينكرُه السلطان نفسُه.
ثم ذَهَب الوالدُ - رحمه الله - فورًا إلى "قصر عابدين" العامر، وقابل "محمود شكري باشا"، وهو صديق له حميم، وكان رئيسَ الديوانِ إذ ذاك، وطَلَب منه أن يَرفعَ الأمرَ إلى عظمةِ السلطان، وأن يُبلِّغَه حكمَ الشرعِ في هذا بوجوبِ إعادة الصلاةِ التي بَطَلَتْ بكُفْرِ الخطيب، ولم يَتردَّدْ "شكري باشا" في قَبولِ ما حُمِّل من الأمانة، واعتقد أن عَظمةَ السلطانِ لم يتردَّدْ في قَبولِ حُكمِ الشرعِ بإعادةِ الصلاة.
ولكن اللهَ لَم يَدَعْ لهذا المجرِم جُرْمَه في الدنيا، قَبْل أن يَجزِيَه جزاءَه في الأخرى، فأُقسِمُ بالله، لقد رأيتُه بعَيْنَيْ رأسي، بعد بِضْعِ سِنين، وبعد أن كان عاليًا متنفِّخًا، مستعِزًّا بمَن لاذَ بهم من العظماء والكبَراء، رأيته مَهينًا، خادمًا على باب مسجدٍ من مساجدِ القاهرة يتلقَّى نِعالَ المُصَلِّين يَحفظُها في ذِلَّةٍ وصَغار" (١).
(١) "كلمة الحق" للشيخ أحمد محمد شاكر (ص ١٤٩ - ١٥٣) - مكتبة السُّنَّة.