للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا له ثلاثُ جرائمَ مبيحةٌ للدم: قتلُ النفس، والردَّة، والهجاء.

[الحديث الحادي عشر]

أمْرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقتل جماعةٍ لأجل سبِّه، وقَتَل جماعةً لأجل ذلك، مع كفِّه وإمساكِه عمَّن هو بمنزلتهم في كونه كافرًا حربيًّا، فمن ذلك ما قدمناه عن سعيدِ بنِ المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر يومَ الفتح بقتل ابن الزِّبَعرَى.

وسعيدُ بن المسيَّب هو الغايةُ في جودةِ المراسيل، ولا يَضرُّه أن لا يذكرَه بعضُ أهل المغازي، فإنَّهم مختلِفون في عددِ مَن استُثني من الأمان، وكلٌّ أخبر بما عَلم، ومَن أثبت الشيءَ وذكره حُجةٌ على من لم يثبته.

° وقد ذَكَر ابنُ إسحاق قال: "فلما قَدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة منصرفًا عن الطائف، كتب بُجَيرُ بنُ زهيرِ بنِ أبي سُلْمى إلى أخيه كعبِ بن زهير يخبرُه أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد قَتل رجالاً بمكةَ ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأنَّ مَن بَقِي من شعراءِ قريش عبد الله بنِ الزَّبعْرَى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كلِّ وجه؛ ففي هذا بيانٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَر بقتل من كان يهجوه ويؤذيه بمكةَ من الشعراء مثل ابن الزَّبعْرَى وغيره".

ومما لا خفاءَ به أن ابن الزَّبعْرَى إنما ذَنبُه أنه كان شديدَ العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلسانه؛ فإنَّه كان من أشعرِ الناس، وكان يُهاجي شعراءَ الإِسلام مثلَ حسانَ وكعبِ بنِ مالك، فأمَّا ما سوى ذلك من الذنوب قد شَرَكه فيه وأربى عليه عددٌ كثيرٌ من قريش.

ثم إن ابن الزَّبعْرَى فَرَّ إلى نجران، ثم قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا، وله أشعارٌ حسنةٌ في التوبةِ والاعتذار، فأهَدَرَ دَمَه للسبِّ، مع أمانه لجميع أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>