بالذكر والحَرِيَّةِ بالتنويه: الرقة والاحترام، اللتانِ كان يُعامِلُ بهما أصحابَه، حتى أقلهم شأنًا، فالسماحةُ والتواضعُ والرأفةُ والرقةُ تغلغلت في نفسه، ورَسَّخت محبتَه عند كلِّ مَن حولَه، وكان يَكرهُ أن يقول:"لا" فإنْ لم يُمكِنْه أن يُجيبَ الطالبَ على سؤاله، فضَّل السكوتَ على الجواب، ولقد كان أشدَ حياءً من العذراءِ في خِدْرها، وقالت عائشة -رضي الله عنها -: "وكان إذا ساءه شيءٌ تبيَّنَّا ذلك في أسارير وجهه، ولم يَمس أحدًا بسُوءٍ إلاَّ في سبيل الله".
ويؤثَرُ عنه أنه كان لا يَمتنعُ عن إجابةِ الدعوةِ من أحدٍ -مهما كان حقيرًا-، ولا يَرفضُ هديةً مُهداةً إليه مهما كانت صغيرةً، وإذا جَلس مع أحدٍ -أيًّا كان- لَم يَرفعْ نحوَه رُكبتَه تشامُخًا وكبرًا.
وكان سهلاً ليِّنَ العريكة مع الأطفال، لا يأنَفُ إذا مر بطائفةٍ منهم يلعبون أن يُقرِأَهم تحيةَ السلام، وكان يُشرِكُ غيرَه في طعامه، وعامَلَ حتى ألد أعدائِه بكلِّ كرمٍ وسخاءٍ حتى مع أهل مكة، وهم الذين ناصَبوه العَداءَ سِنين طوالاً، وامتَنعوا من الدخولِ في طاعته، كما ظَهر حِلمُه وصَفحُه حتى في حالَتَيِ الظَّفَرِ والانتصار، وقد دانت لطاعته القبائلُ التي كانت مِن قبلُ أكثرَ مناجَزةً وعَداءً له".
* المؤرخ الكبير فتلي الإِنجليزي:
مستشرقٌ بحَّاثةٌ، وُلِد سنة ١٨١٥، وتُوفي سنة ١٨٩٠ م.
° قال في مقدمة كتابه "الحياة" -تعريب الدكتور "سامي العشا" المصري-: "قد ينَحرفُ المؤرِّخ عن موضوعِه ليتأمَّلَ حياةَ رجل نال سُلطةً