* إِجماعُ الصحابةِ على كفر سابِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
وأمَّا إجماعُ الصحابة - رضي الله عنهم -، فلأنَّ ذلك نُقِلَ عنهم في قضايا متعدِّدة ينتشرُ مِثلُها ويستفيض، ولم يُنكِرْها أحدٌ منهم؛ فصارت إجماعًا، واعلمْ أنه لا يمكن ادِّعاء إجماعِ الصحابة على مسألةٍ فَرْعية بأبْلَغَ من هذا الطريق.
° فمن ذلك ما ذَكره سَيفُ بنُ عمرَ التميميُّ (١) في كتاب "الردَّة والفتوح" عن شيوخه، قال: ورُفع إلى المهاجر -يعني: المُهاجرِ بن أبي أمية، وكان أميرًا على اليمامة ونواحيها- امرأتانِ مغنيتانِ غَنَّتْ إحداهما بشَتْمِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَطع يدها، ونَزعَ ثَنيَّتها، وغَنَّتِ الأخرى بهجاءِ المسلمين فقطع يَدَهَا، ونَزعَ ثنيتَّها، فكتب أبو بكر:"بَلَغني الذي سرت به في المرأة التي تغنَّتْ وزَمَّرت بشَتمِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلولا ما قد سبقتني فيها لأمرتُك بقَتْلِها؛ لأن حدَّ الأنبياء ليس يشبهُ الحدود؛ فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهدٍ فهو محارِب غادر".
° وكتب إليه أبو بكر في التي تَغنَّتْ بهجاء المسلمين:"أمَّا بعد، فإنَّه بلغني أنك قطعت يَدَ امرأة في أن تَغَنَّتْ بهجاء المسلمين ونزعتَ ثَنِيَّتَهَا، فإنْ كانت ممن تدعي الإسلام فأدَبٌ وتقدمة دون المُثْلة، وإن كانت ذِمِّيةً فلعمري لَمَا صَفَحَت عنه من الشرك أعظم، ولو كنتُ تقدَّمتُ إليك في مثل هذا لبلغتَ مكروهك، فاقبَلِ الدَّعَةَ، وإياك والمُثْلةَ في الناس؛ فإنَها مأثم ومنفرة إلاَّ في قصاص".