إن العربَ ينفرِدون -دونَ سائر الأُممِ- بهذهِ الخاصيةِ، إنَّ يقظتَهم القوميةِ اقتَرنت برسالةٍ دينية، أو بالأحرى كانت هذه الرسالةُ مُفصِحةً عن هذه اليقظة القوميَّة، ولم يتوسَّعوا بُغيةَ التوسُّع، ولا حكموا البلاد استنادًا إلى حاجةٍ اقتصاديةٍ مجردة، أو ذريعةٍ عنصريةٍ أو شهوةٍ للسيطرةِ والاستعبادِ، بل ليؤدُّوا واجبًا دينيًّا كلُّه حقٌّ وهدايةٌ ورحمةٌ وعَدلٌ وبَذلٌ، أراقوا من أجله دماءَهم، وأقبَلوا عليه خِفافًا ومتهلِّلين لوجه الله، وما دام الارتباطُ وثيقًا بين العروبة والإِسلام، وما دمنا نرى في العروبةِ جسمًا رُوحُه الإِسلام، فلا مَجالَ إذًا للخوفِ من أنْ يشتطَّ العربُ في قوميتهم، إنها لن تبلغَ عصبيةَ البغيِ والاستعمار".
* الدكتور نجيب أرمنازي المصري:
وُلِد في بلدته "ماهاي" عام ١٨١٩، وتوفي ١٨٨٧ م، له كتاب "عن "الشرع الدولي في الإِسلام".
° قال فيه (ص ٥٦): "كان العربُ لَمَّا بُعث محمدٌ فيهم على الفِطرة البيضاءِ النقية، لم يُكَّدرها مُكدِّر، ولم يَعْبَثْ برَونقها عابث، تطلَّع إلى أمرٍ عظيم، وخَطبٍ جسيم، قد استكنَّت من المواهبِ الشريفةِ والقوى الكامنة والعزائمِ الشديدة ما يسمو كالنارِ إلى إشاعةِ ذكره وتعرُّفِ خَبَرِه، واستفاضت فيها رُوح الحياة، وشاع في الناس نبأُ حادثٍ دينيٍّ كبير، يكونُ عنوانَ تاريخِ جليل".
° إلى أن قال: "فقد ظَهر الإِسلامُ في عنفوانِ تلك البعثة، وأصاب بدعوته شاكلةَ القلوب، ودانت له العربُ، فأصلح بينَهم، وجَمَع كلمتَهم، وحينئذٍ نَفَروا من البادية، وانتشروا في أقطارِ الأرض، تَنقادُ لهم أَعِنَّةُ الأُمم