واحدًا منهم لم يَشْفِ صدورهم إلاَّ قتلُه، فأنْ لا تُشْفَى صُدُورُهُم إلاَّ بقتل السابِّ أوْلى وأحْرَى.
الثالث: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ قِتالَهم هو السببَ في حصول الشِّفاء، والأصْلُ عدمُ سبب آخر يُحصِّلُه؛ فيجبُ أن يكون القتلُ والقتال هو الشافي لصدور المؤمنين من مثل هذا.
الرابع: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما فُتحت مكةُ وأراد أن يَشفيَ صدورَ خُزَاعة -وهم القوم المؤمنون- مِن بني بكرٍ الذين قاتلوهم، مَكَّنهم منهم نصفَ النهار أو أكثر مع أمانِهِ لسائرِ الناسِ (١)؛ فلو كان شفاءُ صدورِهم وذهابُ غيظِ قلوبهم يحصلُ بدون القتل للذين نكثوا وطعنوا، لَمَا فَعَل ذلك مع أمانِهِ للناس.
(١) صحيح: أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/ ٤٠٣ ح ٣٦٩٠٤)، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ١٧٩، ٢٠٧) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما فتحت مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُفُّوا السلاحَ إلا خزاعةَ من بني بكر". فأذن لهم حتى صلى العصر ثم قال: "كُفُّوا السلاح"؛ وذكره ابن كثير في "البداية" (٤/ ٣٠٤)، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/ ١٨٠) وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، والحديث صحَّح إسناده أحمد محمد شاكر- في شرحه على "المسند" (١٠/ ١٥٨ ح ٦٦٨١). وقد كانت خزاعة حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت بنو بكر رهطًا من بني كنانة حلفاء لأبي سفيان، وكانت بينهم موادعة أيام الحديبية، فأغارت بنو بكر على خزاعة في تلك المدة، وبَيَّتُوهم ليلاً وهم غارُون آمنون فقتلوا منهم عشرين رجلاً، فبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمدونه .. فكان فتح مكة. ينظر: "طبقات ابن سعد" (١/ ١٣٤)، "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨٩، ٣٩٤).