° وإن القارئَ لَيسيرُ قليلاً في الكتاب، حتى يَجِدَ الكاتِبَ يَنفي الخطابَ السماويَّ للرسول، لا يَذكر أن جبريلَ خاطَبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في العِيان، فهو يقول عن أولِ نزولِ الوحي بالقرآن ما نصه:"ولكنه في تلك الليلةِ من رمضانَ أغفَى قليلاً ثم نام، فرأى مَن يَعرِضُ عليه كتابًا، ويَطلبُ منه أن يقرأَ، فقال: "ما أنا بقارئ"، ولكنه ألَحَّ عليه أن يقرأ، فسأله: "ماذا أقرأ؟ "، فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١ - ٥]، وعندما استيقظ من نَومه كان يَحفظُ ما سَمِعه في النوم، ويَستوضحُ حُلْمَه فيما بينه وبين نفسه، فإذا به هو بين اليقظةِ والنومِ كأنه يَسمعُ صوتًا بعيدًا يقول له: "أنت رسول الله وأنا جبريل" .. " .. (ص ٦٨، ٦٩).
وإن تصويرَ الوحي بِالحُلْم في النوم يُخالِف ما أجمَعَ عليه المسلمون من أن جبريلَ - عليه السلام - كان يُخاطِبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعِيانِ لا في المنام .. نعم، قبلَ ذلك الخطابِ بقوله:"اقرأ" ونزولِ سورة "القلم"، كان الوحيُ يجيءُ إليه في رؤيا منامية، حتى إنه كان يَرى الرؤيا تَجيءُ في الصَّحْوِ مِثْلَ فَلَقِ الصبح -كما صرح البخاري-، ولكنْ لم تكن تُعتبر خطابًا من السماء، حتى نزولِ الوحي ومخاطبةِ جبريل الأمين - عليه السلام - الذي تردَّد ذكره في القرآن الكريم على أنه رسول الله إلى الذين يصطفيهم من الأنبياء لتبليغ الرسالة الإِلهية إلى الأرض.