أنَّ الكاتِبَ يَقطعُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الوحي، فكلُّ ما كان من النبيِّ من مبادئَ وجهادٍ في سبيلها، إنما هي مِن عنده، لا بوحيٍّ من الله تعالى، وهي به بمقتضى بشريَّتِه، لا بمقتضى رسالته، ولعلَّ العنوانَ الذي اختاره للكتاب -مع إرادفِه بعنوانٍ آخَرَ صغيرٍ- يُشير إلى بشريةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقط، وهذا العنوان قوله:{إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، فقد اختار هذه الجملةَ لِيُعلِنَ أنَّما وَصَل إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من مبادئَ جَاهَدَ لأجلها، إنما هو صادرٌ عن بشريةٍ كاملةٍ، لا عن نبوة!!.
ولكي يَتِمَّ له الاستشهاد، اقتَطَع الجملةَ اقتطاعًا مِمَّا قَبْلَها وممَّا بَعْدَها، فإن هذه الجملة وردت في نَصَّينِ من نصوصِ القرآن الكريم، أولهما: في سورة "الكهف"، وهو قول الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: ١١٠]، وثانيها: في سورة "فُصِّلَت"، وهو قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}[فصلت: ٦].
ونرى النصَّ الذي اختاره شِعارَ كتابِه مقطوعًا عمَّا قبلَه وما بعدَه، فما قبلَه هو قولُه تعالى -يُخاطِب النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله-: {قُلْ}، وهو يصرِّح بخطابِ الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وما بعدَه هو قوله تعالى:{يُوحَى إِلَيَّ}، وقد أبعَدَه ولم يأتِ به؛ لأنه لا يتَّفق مع غرَضِه لأنه يَنفِي الوَحْيَ عن الحياةِ المحمَّدية.