للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبت ذلك نقول: هذه الجنايةُ -جنايةُ السَّبِّ- موجَبُها القتل؛ لِمَا تقدَّم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لكعبِ بنِ الأشرف، فإنه قد آذى اللهَ ورسولَه؟ " (١).

فَعلِم أنَّ مَن آذى اللهَ ورسولَه كان حقُّه أن يقتَل.

ولِمَا تقدَّم من إهدارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - دَمَ المرأةِ السَّابَّةِ، مع أنها لا تُقتَلُ لمجرَّدِ نقضِ العهدِ، ولِمَا تقدَّم من أَمْرِه - صلى الله عليه وسلم - بقتل مَن كان يسبُّه مع إمساكِه عمّن هو بمنزلته في الدِّين، ونَدبِه الناسَ إلى ذلك، والثناءِ على مَن سارع في ذلك، ولِمَا تقدم من الحديثِ المرفوع، ومِن أقوال الصحابة - رضي الله عنه -: "أَنَّ من سَبَّ نبيًّا قُتِل، ومن سَبَّ غَيرَ نبيٍّ جُلِد".

الدليل الثامن: أنَّ سَبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونه من جنسِ الكفر والحراب -أعظمُ من مُجرد الرِّدَّةِ عن الإِسلام، فإنه من المسلم رِدًّةٌ وزيادة، فإذا كان كُفرُ المرتدِّ قد تغلَّظ لكونه قد خَرج عن الدين -بعد أن دخل فيه-، فأوجَبَ القَتلَ عيْنًا، فكُفرُ السَّابِّ الذي آذى اللهَ ورسولَه وجميعَ المؤمنين من عبادِه أولى أن يتغلَّظَ فيُوجِبَ القتلَ عَينًا؛ لأن مَفسدةَ السَّبِّ في أنواعِ الكفرِ أعظمُ من مفسدةِ مجرَّدِ الرِّدَّة.

الدليل التاسع: أنَّ تَطهيرَ الأرضِ من إظهارِ سبِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - واجبٌ حَسبَ الإِمكانِ؛ لأنه من تمامِ ظهورِ الدين وعلوِّ كلمةِ الله وكونِ الدينِ كلِّه لله، فحيثما ظهر سبّه ولم يُنتَقم ممَّن فَعل ذلك، لم يكنِ الدِّينُ ظاهرًا ولا كلمةُ الله عاليةً، وهذا كما يجبُ تطهيرُها من الزُّناةِ والسُّرَّاقِ وقُطَّاعِ الطريق بحسَبِ الإمكان، بخلافِ تطهيرها من أصلِ الكُفر، فإنه


(١) حديث صحيح: سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>