وبارَزَه بالمحاربة، ومِن حيث طَعَن في كتابه ودينه، فإنَّ صحَّتهما موقوفةٌ على صحَّةِ الرسالة، ومِن حيث طَعَن في ألوهيته؛ فإن الطعنَ في الرسولِ طَعْنٌ في المُرسِل، وتكذيبَه تكذيبٌ لله تبارك وتعالى وإنكارٌ لكلامه وأمرِه وخَبَره وكثيرٍ مِن صفاته.
٢ - وتعلَّق به حق جميع المؤمنين من هذه الأمَّة ومِن غيرِها من الأمم؛ فإن جميع المؤمنين مؤمنون به -خصوصًا أمَّتُه-، فإن قيام أمرِ دنياهم ودينِهم وآخرتِهم به، بل عامَّةُ الخيرِ الذي يُصيبُهم في الدنيا والآخرة بوساطتِه وسفارته، فالسَّبُّ له أعظمُ عندهم مِن سَبِّ أنفسِهم وأولادهم وآبائِهم وأبنائِهم وسبِّ جميعِهم، كما أنَّه أحبُّ إليهم من أنفسِهم وأولادِهم وآبائِهم والناسِ أجمعين.
٣ - وتعلَّق به حقُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن حيثُ خصوصِ نفسه، فإن الإنسانَ تُؤذيه الوقيعةُ في عِرضِه أكثرَ مما يُؤذيه أَخْذُ ماله، وأكثرَ مما يُؤذيه الضربُ، بل ربما كانت عنده أعظمَ من الجَرْح ونحوه، خُصوصًا مَن يجبُ عليه أن يُظهِرَ للناس كمالَ عِرْضِه وعلوَّ قَدرِه لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة، فإِنَّ هَتْكَ عِرْضِه قد يكونُ أعظمَ عنده مِن قَتْله، فإنَّ قتْلَه لا يَقدحُ عند الناس في نبوَّتِه ورسالتِه وعلوِّ قدره، كما أن موتَه لا يَقدحُ في ذلك، بخلافِ الوقيعة في عِرْضِه، فإنها قد تُؤثِّرُ في نفوسِ بعضِ الناسِ من النُّفرةِ عنه وسوء الظَّن به ما يُفسِدُ عليهم إيمانَهم، ويُوجبُ لهم خسارةَ الدنيا والآخرة.
فعُلِم بذلك أن السَّبَّ فيه من الأذى لله ولرسوله ولعبادِه المؤمنين ما ليس في الكُفرِ والمحارَبة.