وأنه تقدَّم بذلك على الصِّدِّيق، الذي جَهِل فقال:"العجزُ عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكُ"؛ وتقدَّم به على المرسلين، الذين ما عَلِموا ذلك إلاَّ من مِشكاته، وفيه مِن أنواع الكفرِ والضلال ما يطولُ عدُّها:
منها: الكفرُ بذات الله، إذ ليس عنده إلاَّ وجودُ المخلوق.
ومنها: الكفر بأسماءِ الله، فإنها ليست عنده إلاَّ أمورًا عَدَميَّةً، فإذا قلنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فليس الربُّ عنده إلاَّ نِسبة إلى الثبوت.
السادس: أنه قال: "فاختلط الأمرُ وانبهم"، أو هو على أصلِهِ الفاسد مختلِطٌ منبهِم، وعلى أصل الهدى والإيمان متميِّزٌ متبيِّن، قد بيَّن الله بكتابه الحقَّ من الباطل والهدى من الضلال.
قال:"فمنا مَن جَهِل في عِلمِه، فقال: العجزُ عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكُ"، وهذا الكلامُ مشهورٌ عندهم نسبته إلى أبي بكر الصديق، فجعله جاهلاً، وإن كان هذا اللفظُ لَم يُحفظ عن أبي بكر، ولا هو مأثورٌ عنه في شيءٍ من المنقول المعتمَدة، وإنما ذَكر ابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر" نحوًا من ذلك عن بعضِ التابعين غيرَ مُسمًّى، وإنما يرسَل عنه إرسالاً من جهةِ مَن يَكثُرُ الخطأُ في مراسِيلهم.
* تفضيلُه نفسَه على الرسل:
السابع: أنه قال: "ومنَّا مَن عَلِم فلم يَقُلْ مثلَ هذا، وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمَ والسكوتَ ما أعطاه العَجْز، وهذا هو أعلى عالِمٍ بالله، وليس هذا العِلمُ إلاَّ لِخاتَم الرسل وخاتَمِ الأولياء، وما يراه أحدٌ من الأولياء