في رؤيتِك نفسَك، وأنت مِرآتُه في رؤيتهِ أسماءَه وظهورِ أحكامِها.
وذلك لأنَّ العبدَ لا يَرى نفسَه -التي هي عينُه- إلاَّ في وجودِ الحق، الذي هو وجودُه، والعبدُ مِرآتُه في رؤيته أسماءَه وظهورِ أحكامها؛ لأن أسماءَ الحق عنده هي النسَبُ والإضافات، التي بين الأعيان وبين وجودِ الحق؛ وأحكامُ الأسماء هي الأعيانُ الثابتةُ في العدم، وظهورُ هذه الأحكام بتجلِّي الحق في الأعيان.
والأعيان التي هي حقيقةُ العِيان: هي مِرآةُ الحقِّ، التي بها يَرى أسماءَه؛ وظهورَ أحكامها، فإنه إذا ظَهَر في الأعيان، حَصَلت النسبةُ التي بين الوجود والأعيان -وهي الأسماء-، وظهرت أحكامُها -وهي الأعيان-، ووجودُ هذه الأعيان هو الحق؛ فلهذا قال:"وليست سوى عينِه"، فاختلط الأمر وانبهم.
فتدبر هذا من كلامه وما يناسبه؛ لِتعلمَ ما يعتقدُه مِن ذاتِ الحقِّ وأسمائِه، وأن ذاتَ الحقِّ عنده هي نفسُ وجودِ المخلوقات وأسماءَه هي النِّسَبُ التي بين الوجودِ والأعيان، وأحكامُها هي الأعيان، لتعلمَ كيف اشتَمل كلامُه على الجحودِ لله ولأسمائِه ولصفاتِه وخَلْقِهِ وأمرِه، وعلى الإلحادِ في أسماءِ الله وآياته! فإن هذا الذي ذَكَرَه غايةُ الإلحاد في أسماءِ الله وآياته؛ الآيات المخلوقة والآياتِ المَتْلُوَّة، فإنه لَم يُثبِتْ له اسمًا ولا آيةً، إذ ليس إلاَّ وجودًا واحدًا؛ وذاك ليس هو اسمًا ولا آيةً، والأعيانُ الثابتةُ ليست هي أسماءَه ولا آياته؛ ولمَّا أثبَتَ شيئينِ فَرق بينهما بالوجودِ والثبوت -وليس بينهما فرقٌ- اختلط الأمرُ عليه وانبهم.
وهذا حقيقةُ قوله وسرُّ مذهبه؛ الذي يدَّعي أنه به أعلمُ العالَم بالله،