للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرفغ الذِّلةَ، وإنما يَرفعُ بعضَ موجباتِها وهو القتل، فإن مَنْ كان لا يُعْصَم دَمُه إلا بعهدٍ فهو ذليل -وإن عُصم دمُه بالعهد-، لكنْ على هذا التقديرِ تضعُفُ الدلالةُ الأولى من المحادة.

والطريقةُ الأولى أجودُ -كما تقدم-، وفي زيادةِ تقريرِها طُول.

الموضع الخامس: قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: ٥٧].

وهذه توجبُ قتلَ مَنْ اَذى اللهَ ورسولَه -كما سيأتي إن شاء الله تقريرُه-، والعهدُ لا يَعْصِمُ من ذلك؛ لأنا لم نُعاهِدْهم على أن يؤذوا اللهَ ورسولَه.

• ويوضِّحُ ذلك قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لكَعْبِ بْنِ الأشْرَف، فَإنَّه قَدْ آذى اللهَ وَرَسُولَه؟ " (١) فندَبَ المسلمين إلى يهوديٍّ كان معاهَدًا لأجل أنه آذى اللهَ ورسولَه، فدلَّ ذلك على أنه لا يوصَفُ كلُّ ذميٍّ بأنه يؤذي اللهَ ورسولَه، وإلاَّ لم يكن فَرْقٌ بينه وبين غيره، ولا يصحُّ أن يقال: اليهودُ ملعونون في الدنيا والآخرة مع إقرارهم على ما يوجبُ ذلك؛ لأنا لم نُقِرَّهم على إظهار أذى اللهِ ورسولِه، وإنما أقْرَرْنَاهم على أن يَفعلوا بينهم ما هو من دينِهم" (٢).


(١) جزء من حديث طويل من حديث جابر بن عبد الله. رواه البخاري (٥/ ١٦٩ ح ٢٥١٠)، (٦/ ١٨٤ ح ٣٠٣١)، (ح ٣٠٣٢)، (٧/ ٣٩٠ ح ٤٠٣٧)، ورواه مسلم (٣/ ١٤٢٥ ح ١٨٠١)، وأبو داود (٣/ ٢١١ ح ٢٧٦٨)، والحميدي في "مسنده" (٢/ ٥٢٦ ح ١٢٥٠).
(٢) انظر "الصارم المسلول" (٢/ ٣٢ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>