ويدلُّ على ذلك أن اللهَ قَطع المُوَالاةَ بين المسلم والكافر -وإن كان له عهدٌ وذِمَّة-، وعلى هذا التقدير فيقال: عُوهِدُوا على أن لا يُظْهِروا المحادة ولا يُعلنوا بها -بالإجماع كما تقدم وكما سيأتي-، فإذا أَظهروا صاروا محادِّين لا عَهْدَ لهم، مُظْهِرِينَ للمحادة، وهؤلاء مشاقُّونَ، فيستحقُّون خِزيَ الدنيا من القتل ونحوِه وعذابَ الآخرة.
فإن قيل: إذا كان كلُّ يهوديٍّ محادًّا لله ورسوله، فمِن المعلوم أن العهدَ يَثبتُ لهم مع التهوُّد، وذلك يَنْقُض ما قدَّمتم من أن المحادَّ لا عهدَ له.
قيل: مَن سلك هذه الطريقةَ قال: المحادُّ لا عهدَ له على إظهارِ المحادة، فأما إذا لم يُظهِرْ لنا المحادةَ، فقد أعطيناه العهد، وقولُه تعالى:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: ١١٢]. يقتضي أن الذِّلةَ تَلزمُه، فلا تزولُ إلاَّ بَحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس، وحبلُ المسلمين معه على أن لا يُظهِرَ المحادةَ بالاتفاق؛ فليس معه حبلٌ مُطلَق، بل حَبلٌ مقيد، فهذا الحَبلُ لا يَمنعُه أن يكونَ أذَلَّ إذا فَعَل ما لم يُعاهَدْ عليه.
أو يقولُ صاحبُ هذا المسلَك: الذِّلَةُ لازمةٌ لهم بكلِّ حال، كما أُطلقت في سورة "البقرة".
وقوله:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: ١١٢] يجوز أن يكون تفسيرًا للذلة، أي: ضُربت عليهم أنهم أينما ثُقِفُوا أُخذوا وقُتِّلوا إلاَّ بحبلٍ من الله وحبل من الناس، فالحبلُ لا