"مشاقًّا"، ولهذا جَعل جزاءَ المحادِّ مطلقًا أن يكون مكبُوتًا كما كُبِتَ مَن قَبْله، وأن يكونَ في الأذلِّين، وجَعل جَزاءَ المُشاقِّ القتلَ والتعذيبَ في الدنيا، ولن يكونَ مكبوتًا كما كُبِتَ مَنْ قَبلَه في الأذلِّين إلاَّ إذا لم يُمكِنْه إظهارُ محادَّته، فعلى هذا تكونُ المحادَّةُ أعمَّ.
* ولهذا ذَكر أهلُ التفسير في قوله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة: ٢٢]، الآية: أنها نزلت فيمن قَتَل من المسلمين أقاربَه في الجهاد، وفيمن أراد أن يَقتلَ لمن تعرَّض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذى من كافرٍ ومنافقٍ قريبٍ له (١) .. فعُلم أن المحادَّ يعمُّ المشاقَّ وغيرَه.
* ويدلُّ على ذلك أنه قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ}[المجادلة: ١٤]، الآيات، إلى قوله:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة: ٢٢].
وإنما نزلت في المنافقين الذين تولَّوُا اليهودَ المغضوبَ عليهم، وكان أولئك اليهودُ أهلَ عهدٍ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن الله سبحانه بَيَن أن المؤمنين لا يوَادُّونَ مَن حادَّ الله ورسوله، فلابد أن يدخلَ في ذلك عدمُ المودَّة ليهود -وإن كانوا أهلَ ذِمَّة-، لأنَّه سببُ النزول، وذلك يقتضي أن أهلَ الكتاب
(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص ٣١٠)، "أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ١٧٦٣)، و "زاد المسير" لابن الجوزي (٨/ ١٩٨)، و"تفسير القرطبي" (١٧/ ٣٠٧)، و"تفسير ابن كثير" (٤/ ٣٢٩).