للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زِلتُ إيَّاها، وإيايَ لَم تَزَلْ … ولا فَرْقَ، بل ذاتي لذاتي أَحَبَّتِ (١)

وليس معي في الكونِ شيءٌ سواي وال … مَعِيَّةُ لَم تخطر على ألمعِيَّتي (٢)

* إِفكٌ على الله:

° يقول ابنُ الفارض في ضلالِه:

وجاء حديثٌ في اتحادي ثابتٌ … روايتُه في النقلِ غيرُ ضَعيفةِ

مشيرًا بحبِّ الحقِّ بعد تقرُّب … إليه بَنقْلٍ أو أداءِ فريضةِ

وموضعُ تنبيه الإشارةِ ظاهرٌ … بـ "كنتُ له سَمعًا كنور الظَّهيرةِ"

فَكلِّي لكلِّيَ طالب متوجِّهٌ … وبَعضي لبعض جاذبٌ بالأعنَّةِ


(١) هذا وما قبلَه بين الدلالةِ على إيمان ابنِ الفارض بالوحدة، لا بالاتحاد، فإنه حين عَبر بقوله: "وما زلتُ إياها" خَشِيَ أن يقال عنه: إنه ما زال يستشعر إثنينيةً ما -لوجودِ محمولٍ وموضوع في تعبيره، وإن كان الحملُ صُوريًّا، إذ المجمولُ عَينُ الموضوع-، أقول: خَشِي أن يقال عنه هذا، فعقبه بقوله: "ولا فرق"، حتى لا تَفهمَ أن الذاتَ المعبرَ عنها بضميرِ المتكلم، وهو التاء في "ما زلتُ" غيرُ المعبرِ عنها بضمير الغائب في "إياها"، وإنما هي هي.
وزاد ابنُ الفارض إيغالاً في كفره، فقال: "بل ذاتي لذاتي"، لِيُجرد الذاتَ الإلهية من وجودِها الخاص، وليؤكدَ أنْ ليس لها من وجودٍ إلاَّ هذا الوجودُ المقيدُ المتعين في هذا أو ذاك من أفرادِ الخَلْق، ولإثباتِ الوحدة التامة بين الحقِّ والخلق -لا في الباطنِ فحسب- بل في الظاهر، ثم لغرضٍ آخر، وهو أن الذاتَ الإلهية، نالت كمالَها بتعينها في صورةِ ابن الفارض.
هذا هو دين مَن لا يزال كِبارُ الشيوخ -بَلْهَ الزنادقة الصوفية- يُلقبونه: "سلطان العاشقين".
(٢) هذا توكيدٌ لمَا يَدينُ به من الوحدة، ولذا يُلح في نَفْيِ المعية، نَفْيِ أن يكونَ ثَمَّ في الكون "غيرٌ" أو "سِوى" إذ ما ثَمَّ إلاَّ حقيقةٌ واحدة، هي هُوِيةُ الحقَ، تكثرت بمظاهرِها الخَلْقية والألمعية: الذكاة والفطنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>