بعدَ أمانِه إليهم، وبعد أن أظهَروا له أنهم مُؤَمِّنون له، واستئذانهم إياه في إمساكِ يديه، فَعُلِم بذلك أنَّ إيذاءَ اللَّهِ ورسوله موجبٌ للقتلِ لا يَعِصْمِ منه أمانٌ ولا عهدٌ، ولا جزاءَ له إلاَّ القتل.
الدليل الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الناسَ إلى قتل ابنِ الأشرف؛ لأنه كان يؤذِي اللهَ ورسولَه، وكذلك كان يأمرُ بقتلِ مَن يَسُبُّه ويَهجُوه، إلاَّ من عفا عنه بعد القُدرة، وأَمْرُه - صلى الله عليه وسلم - للإِيجاب، فعُلِم وجوبُ قتل السَّابِّ -وإنْ لم يَجِبْ قتل غيرِه من المحاربين-، وكذلك كانت سِيرتَه، فلم يُعلَم أنه تَرك قتلَ أحدٍ من السَّابين بعد القدرةِ عليه إلاَّ مَن تاب أو كان من المنافِقين، وهذا يَصلُح أن يكونَ امتثالاً للأمرِ بالجهادِ وإقامةِ الحدود، فيكونُ على الإيجابِ، يؤيِّدُ ذلك أن في تركِ قتلِه تَرْكًا لنصرِ الله ورسوله، وذلك غير جائز.
الدليل الخامس: أقاويلُ الصحابة، فإنها نصوصٌ في تعيينِ قتله:
° مثلُ قولِ عمرَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سبَّ الله أو سَبَّ أحدًا من الأنبياء فاقتلوه" .. فأمَرَ بقَتلِه عَيْنًا.
° ومثلُ قولِ ابنِ عباس - رضي الله عنه -: "أيُّما معاهَدٍ عاند فسَبَّ اللهَ أو سَبَّ أحدًا من الأنبياء عليهم السلام، أو جَهَر به، فقد نَقَض العهدَ، فاقتلوه" ..
فأمر بقتلِ المعاهَد إذا سبَّ عيْنًا.
° ومثل قول أبي بكر - رضي الله عنه - فيما كتب به إلى "المهاجر" في المرأة التي سَبَّتِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا ما قد سَبَقْتَني فيها لأمرتُك بقَتلها؛ لأن حدَّ الأنبياءِ لا يُشبِهُ الحدود، فمَن تعاطى ذلك من مسلمٍ فهو مرتَدٌّ؛ أو معاهَدَ فهو محارِبٌ غادر".