للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رَبِّنا ونبينا وديننا وكتابنا يَقْدَحُ في الاستقامة، كما تَقْدَحُ مجاهرتُنا بالمحاربةِ في العهدِ، بل ذلك أشدُّ علينا إن كنَّا مؤمنين؛ فإنه يجبُ علينا أنْ نَبذُلَ دماءَنا وأموالَنا حتى تكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، ولا يُجْهَر في ديارنا بشيءٍ مِن أذى اللهِ ورسوله، فإذا لم يكونوا مستقيمين لنا بالقَدْح في أهْوَنِ الأمرين، كيف يكونون مستقيمين مع القدح في أعظمهما؟!.

* يوضِّحُ ذلك قولُه تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: ٨]، أي: كيف يكون لهم عهدٌ، ولو ظَهروا عليكم لم يَرقُبُوا الرَّحِمَ التي بينكم ولا العهدَ الذي بينكم؟ فعُلم أنَّ مَن كانت حالُه أنه إذا ظَهر لم يرْقُبْ ما بيننا وبينه من العهدِ، لم يكنْ له عهدٌ، ومَنْ جَاهَرَنا بالطعن في ديننا، كان ذلك دليلاً على أنه لو ظَهَر لم يَرْقُبِ العهدَ الذي بيننا وبينه؛ فإنه إذا كان مع وجودِ العهدِ والذِّلَّةِ يفعلُ هذا، فكيف يكونُ مع العِزَّةٍ والقُدرةِ؟ وهذا بخلافِ مَنْ لم يُظْهِرْ لنا مثلَ هذا الكلامِ، فإنه يجوزُ أن يَفِيَ لنا بالعهدِ لو ظَهر.

وهذه الآية -وإن كانت في أهلِ الهُدْنَةِ الذين يُقيمون في دارهم-، فإن معناها ثابتٌ في أهلِ الذِّمةِ المقيمين في دارِنا بطريق الأولى.

الموضع الثالث: قولُه تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ١٢]، وهذه الآيةُ تدلُّ مِن وجوهٍ:

أحدها: أنَّ مجردَ نَكْثِ الأيمان مقتضٍ للمُقاتَلة، وإنما ذَكَر الطعنَ في الدين وأَفَرَدَه بالذِّكر تخصيصًا له بالذكر وبيانًا؛ لأنه من أقوى الأسباب

<<  <  ج: ص:  >  >>