أخرى، هي مرحلةُ الوِحدةِ والابتعادِ عن الناس بالتحنُّثِ في "غار حراء"، وشَجَّعه بكل ما يساعدُه على أن يَرى في منامِه الرؤى التي يَنبغي أن تحدُثَ للقادمِ المنتظَر، حتى وقعت الواقعةُ فعلاً، ورأى منامَ الغارِ الذي خَيَّل إليه أنه هو النبيُّ الموعود، فعندئذٍ أَعلنت خديجةُ للعرب -وهي في غاية السعادة بنجاحها هذا الذي لم تكن تتوقَّع رغم ذلك أن يكون بذلك الشكل الباهرِ- أنهم هم أيضًا قد أصبح لهم نبيٌّ كأهل الكتاب".
° ويقول المؤلف: "إن الكاتبَ يُردِّدُ في غرورٍ وانتفاخٍ وتَعالٍ أنَّ دراستَه هي دراسةٌ جديدة تمامَ الجِدَّة، رغمَ أن هذه الأفكارَ -وغيرُها كثيرٌ- مأخوذةٌ من كتابٍ صَدَر في العام ١٩٧٩ م في لبنان بعنوان "قس ونبي" لمن سَمَّى نفسه على غلاف الكتاب "أبو موسى الحريري"، والواضحُ أنه نَصراني، وإن كان من غيرِ المعروف هل هو لُبنانيٌّ أصيل، أم من المبشِّرين الذين يَعيشون في لبنان أو يتردَّدون عليه.
* ورقة بن نوفل ليس قسًّا:
أبو موسى الحريري هذا يؤكِّدُ أن الوجودَ النصرانيَّ في مكة -بل في الحجاز كلِّه- قُبيلَ البعثةِ النبويةِ كان كبيرًا، وأن ورقةَ بن نوفل كان قَسًّا لقريش في كنيسةِ مكة، وأنه هو الذي عَقَد قِرانَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على خديجة - رضي الله عنها -، وألقى خُطبةَ النِّكاحِ بوَصفِه كاهنًا يقوم بطُقوسِ الزواجِ النصرانية، لا بوَصفِه مجردَ قريبٍ للعروس، وأنَّ خديجةَ كانت أنَذَاك على دينِ النصرانية، وكذلك محمد - عليه السلام -، وأن ورقةَ هو الذي دَرَّبه على التأمُّلِ الرُّوحيِّ والصلاةِ في "غارِ حراء"، وتولَّى إعلانَ نبوَّتهِ على العرب، فالقَسُّ ورقة هو الذي نَقل كلمةَ "الله" من العِبرية إلى العربية، والنبيُّ قام بتبليغِها