° الحمدُ لله، والصلاة والسلامُ على رسول الله محمد، وعلى آله وصحابته ومن والاه، أما بعد: فإن كتابَ الله -تعالى- فيه خَبَرُ ما قبلنا، ونَبَأُ ما بَعدَنا، هو الجِدُّ ليس بالهَزْل، مَن أنزله مِن نفسِه هذه المَنزلةَ نَفَعه اللهُ بما فيه، وسَعِد به في الدنيا والآخرة، وعَرَف صديقَه من عدوِّه، وتمكَّن من إفسادِ مُخطَّطات" الأعداءِ بمجردِ متابعتِه، حتى ولو لم يَعلمْ بهذه المخطَّطات، وقد أظهر اللهُ -تعالى- في كتابِه كثيرًا مما يريدُه بنا أعداؤُنا من أهلِ الكتاب، حتى لقد بَدَتِ البغضاءُ من أفواههم، لكنْ رغمَ كثرةِ هذه الظاهرة؛ فما تُخفي صدورهم أكبر.
ثم يُعقِّبُ القرآنُ على تلك الحقيقةِ الثابتةِ في عَداوةِ أهلِ الكتاب للمسلمين:{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران: ١١٨].
فتبيَّن أن الذين يَتبيَّنُ لهم عداوةُ الكفارِ للمسلمين هم الذين يَعقلِون، وأنَّ مَن غابت عنهم هذه الحقيقةُ فهم من ناقِصِي العقل.
° يقول ابنُ كثير -رحمه الله تعالى-: "قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران: ١١٨]، أي: قد لاح على صَفَحاتِ وجوههم، وفَلَتاتِ ألسنتِهم من العداوة، مع ما هم مُشتمِلون عليه في صدورِهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مِثلُه على لبيبٍ