للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبيَّن أن الواجبَ كان قتلَها عيْنًا لولا فواتُ ذلك، ولم يَجعلْ فيه خِيَرةً إلى الإمام، لا سيَّما والسَّابَّةُ امرأةٌ، وذلك وحدَه دليلٌ.

° ومثلُ قولِ ابنِ عمر "وقد مَرَّ به راهبٌ، فقِيل له: هذا يَسُبُّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابنُ عمر: لو سمعتُهُ لقتلتُه، إنَّا لم نُعْطِهم الذِّمِّةَ على أن يَسُبُّوا نبيَّنا" (١).

ولو كان كالأسير الذي يُخيَّر فيه الإمامُ، لم يَجُزْ لابن عمر اختيارُ قَتلِه، وهذا الدليلُ واضح.

الدليل السادس: أن ناقضَ العهدِ بسبِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ونحوِه حالُه أغلظُ من حالِ الحربيِّ الأصليِّ، كما أن حالَ المرتدِّ أغلظُ من حالِ الكافرِ الأصلي؛ لأنَّه اجتمع فيه الحرابُ الأصليُّ، وخروجُه عمَّا عاهَدَنا عليه بالطعنِ في الدِّين وأذى اللهِ ورسولِه، ومِثلُ هذا يجبُ أن يُعاقَبَ عقوبةً تَزجُرُ أمثالَه عن مِثلِ حاله، والدليلُ عليه قولُه سبحانه وتعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)} [الأنفال: ٥٥ - ٥٧].

فأمر اللهُ رسولَه إذا صادَفَ الناكثين بالعهدِ في الحرب أن يُشرِّدَ بهم غيرَهم من الكفار، بأن يفعلَ بهم ما يَتفرَّقُ به أولئك.


(١) رواته ثقات: عزاه ابن حجر في "المطالب العالية" (٢/ ١٧٥ ح ١٩٨٦) إلى "مُسند مُسدَّد"، وفي حاشيته: قال البوصيري: رواه مُسَدَّد بسندٍ فيه راوٍ لم يُسَمَّ، والحارث في مسنده بسند رُواته ثقات. انظر "أحكام أهل الملل" للخلال -كتاب الحدود- باب: فيمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>