فأخذتهم سِنَةٌ مِن النوم، تمكَّن خلالَها النبيُّ من النجاةِ منهم في الصحراء حيث اختفى في غارٍ هناك، ولا تَقُلْ: إن اختفاءَه في الغار يَحُولُ دون هلاكه وحَتْفه، ولكنَّ الإسلامَ وما في ثناياه من رُوحانيةٍ وقوَّة، جَعل الحمامَ يَبيضُ على بابِ الغار (١)، ولَمَّا أفاق أعداؤه من غَشَيانهم تتبَّعوا أثَرَه إلى الغار، وأخذتهم هواجسُ الظنِّ، لِعلمهم بأنَّ النبيَّ لا يُمكنُ بأيِّ حالٍ أن يكونَ في الغار، فمَن يُرِدْ أن يؤمنَ بوحدانيةِ الله، فعليه أن يشاهدَ بسهولةٍ يدَ اللهِ المحرِّكةَ للكائنات مِن غيرِ أن تُبصِرَها العينُ المجرَّدة، وبخاصةٍ عندما أُحيطت حياةُ النبيِّ مِن يدِ العدوانِ برعايةِ الطيرِ الذي اندَفَع إلى حمايةِ محمدٍ بيدِ الإِلهِ الخافيةِ عن الأبصار".
* المستر سنكس الأمريكي:
مستشرق أمريكي، وُلد في بلدته "بالاي" عام ١٨٣١، وتُوفي ١٨٨٣، له كتاب "ديانة العرب".
° قال في مقدمته: "ظهر محمدٌ بعد المسيح بخَمْسِمئةٍ وسبعين سنةً، وكانت وظيفتُه ترقيةَ عقول البشر، بإشرابها الأصولَ الأوليةَ للأخلاقِ الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقادِ بإلهٍ واحد، وبحياةٍ بعد هذه الحياة".
° إلى أن قال: "إنَّ الفكرةَ الدينيةَ الإسلامية، أحدثت رُقيًّا كبيرًا جدًّا في العالَم، وخلَّصت العقلَ الإِنسانيَّ من قيودِه الثقيلة، التي كانت تأسِرُه حولَ الهياكلِ بين يَدَيِ الكُهَّان، ولقد توصَّل محمدٌ بمَحوِهِ كلَّ صورةٍ في المعابد وإبطالِه كلَّ تمثيلٍ لذاتِ الخالقِ المُطلَق: إلى تخليصِ الفِكرِ الإنسانيِّ من عقيدةِ التجسيدِ الغليظة".
(١) الحديث الوارد في قصة العنكبوت والحمامتين لا يَصحُّ.