وعلى هذا المفسِّرون، فنَفَى عن نبيِّه ما يَعرِضُ للرائي الذي لا أدبَ له بين يَدَيِ الملوك والعظماء، من التفاته يمينًا وشمالاً، ومجاوزةِ بصرِه لما بيْن يديْه، وأخبر عنه بكمالِ الأدب في ذلك المقام، وفي تلك الحَضْرة، إذْ لم يلتفت جانبًا، ولم يَمُدَّ بَصَرَه إلى غير ما رأى مِن الآيات، وما هنالك من العجائب، بل قام مَقامَ العبد الذي أوجب أدبُه إطراقَة وإقبالَه على ما أُري، دون التفاتِه إلى غيره، ودون تطلُّعه إلى ما لَم يَرَه، مع ما في ذلك من ثباتِ الجأش، وسكون القلب، وطمأنينته .. وهذا غايةُ الكمال.
وزَيغُ البصرِ: التفاتُه جانبًا .. وطغيانُه: مَدُّه أمامَه إلى حيث ينتهي.
فنَزَّه في هذه السورة عِلمَه عن الضلال، وقَصْدَه وعَمَلَه عن الغَيِّ، ونُطقَه عن الهوى، وفؤاده عن تكذيب بصره، وبَصَرَه عن الطغيان، وهكذا يكون المدحُ ..
تلك المكارمُ لا قُعبانُ من لبنٍ … شِيبَا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا
* * *
* سيِّد البَشرِ - صلى الله عليه وسلم - أكملُ الأنبياء أدبًا:
* قال تعالى في وصف أدبه - صلى الله عليه وسلم -: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم: ١٧]، أُفُقٌ وضيءٌ طليقٌ مرفرِف، عاش فيه قلبُ رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وبصرُه .. لحظاتٌ خُصَّ بها القلبُ المصفَّى، وأدبٌ مِن بَصَرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يتجاوزْ رُتبَتَه وكُلُّه شَوْق، فأعطاه الله ما لم يُعطِ أحدًا غيره.
° قال ابن القيم: "إن هذا وصْفٌ لأدبه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المَقام؛ إذْ لم