وضوحًا ممَّا يتبينُ في أي قرآنٍ آخَرَ لنبيٍّ من الأنبياء" (١).
فالفكرةُ الأساسيةُ لدى "هردر" وأمثالِه هي أن القرآنَ مِن تأليفِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك فهو مِرآةُ نفسِه وإنتاجُ عقلِه، ومن هنا فإذا وَرَدَ في القرآن أنه "وحيُ اللهْ " اعتَبروا ذلك نوعًا من الخِداع أو التضليل، وإذا كان هذا هو موقفُهم الأساسي الذي يُسيطرُ عليهم قبلَ التعرُّف على القرآن، فلن يَصِلوا إلى حقيقةِ الإسلام أبدًا، إلاَّ إذا أزالوا مِن على أعيُنهم وقلوبِهم هذه الغِشاوةَ المتمثلة في الأوهام والأحكام السابقة، وتخلَّصوا من التعصُّبِ الذي يَحجُبُ عنهم نُورَ الحقيقة.
* أولزنر Oelsner:
عنده يُعَدُّ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - في الأصل متحمِّسًا وَجَد الدليلَ على بَعثتِه في قوةِ اعتقاده فقط، ومن السهل أن يَخلِطَ المرءُ بينه وبين مجردِ إنسانٍ دجَّال، وإذا لم تكن هناك أيضًا أغراضٌ طُموحية قد عَمِلت على تحريكِه في البداية، فإنها قد أتت في أعقابِ الحماس، وبنفسِ القَدْرِ الذي بَرَد فيه الحَماسُ لقضيةِ "الله" أو قضيةِ "الوطن" اشتدَّ لديه الغَرضُ الأنانيُّ عن طريقِ كل الوسائل المساعِدةِ التي أكسَبَها له حَماسُه الناري السابق، وبطبيعةِ الحال لا يمكنُ تحديدُ التوقيتِ الذي انتَهى فيه خِداعُ الذاتِ وبدأ فيه الدَّجَلُ تحديدًا دقيقًا.
وَيصِفُ "أولزنر" محمدًا بالتفصيل بأنه الداعي للإلهِ الواحدِ، وبأنه أستاذٌ في الديبلوماسية، وبأنه رجلُ دولةٍ وقائدُ جيشٍ عبقريٌّ، ولكنْ بمرورِ