للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومني بَدَا لي ما عَلَيَّ لَبستُه … وعنِّي البوادِي بي إليَّ أُعِيدْتِ

وفيَّ شَهِدَتُ الساجِدِين لَمظهَري … فحقَقَّتُ أني كنتُ آدمَ سَجْدَتِي (١)

تعانَقَتِ الأطرافُ (٢) عندي وانطوى … بِساطُ السِّوى عَدلاً بحُكم السَّويةِ


(١) قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: "وأقولُ في قصة آدم، وأمرِ الملائكةِ بالسجود له، وطاعتِهم لهذا الأمر، وتَمرُّدِ إبليس عليه: في كل هذا ما يَنقضُ دعاوى الصوفيةِ في الحلولِ والوحدةِ والاتحاد؛ لأنها -أي القصة- تُثبِتُ ربًّا آمرًا بالسجود، وتثبت أغيارًا كثيرين همِ: آدم، والملائكة، وإبليس، لهذا يُحاولُ ابنُ الفارض تصويرَ القصة، بما يتواءمُ وهوى زندقته، أي: بما يرفعُ في زَعمِه هذا التعدُّدَ في الوجودِ والذوات، ويرفعُ المُغايرةَ بين الماهيات، فيقول: لا تحسبَن الآمرَ بالسجودِ غيرَ من أُمروا به، أو غيرَ مَن وقع الملائكةُ له ساجدين، أو غيرَ مَن تمرَّد على هذا السجود، فإنهم جميعًا عينٌ واحدة، هي الذاتُ الإلهية، فالآمِرُ هو الله باعتبارِ الهُويةِ المجردةِ عن التعين، وآدمُ هو مَظهرُ تعينِ الذات أو الهوية، والملائكة هم تعينات الصفات، وكذلك إبليسُ، فلا تعدُّدَ في الوجود، ولا غَيريةَ في الماهيات، فآدم هو الذاتُ، والملائكةُ وإبليسُ هم الصفات، وما كان السجودُ الذي وقع سجودَ ذاتٍ لغيرها، بل كان من صفاتٍ لموصوفها .. ثم ينتقل ابنُ الفارضُ من هذا التصوير الصوفيِّ إلى تقريرِ أنه كان عينَ آدم، وكان عينَ الملائكة، أي: عينَ الذات الإلهية، وعينَ صفاتها! هذا هو دينُ سلطان العاشقين، أو قلْ: هذه زندقةُ شيخ الصوفين!! " انتهى بتصرف.
(٢) يزعمُ أنه ليس في الوجود متناقضاتٌ، ولا أضدادَ ولا أغيارَ -بل ولا أمثال-، إذ الوجودُ كله حقيقةٌ واحدة، والحقيقةُ الواحدةُ لا يقالُ عنها: إنها تُنَاقِض أو تُضادُّ، أو تغايرُ، أو تُماثِلُ نفسَها ولهذا يؤمنُ الزنديقُ أن القِدَمَ عَينُ الحدوثِ والفوقَ عينُ التحت، وَالنورَ عينُ الظلمة، والأولَ عينُ الآخِرِ، والأزلَ عينُ الأبد، والآن عينُ الماضي وعينُ المستقبل، وهذه هي الأطرافُ الوجوديةُ والمكانيةُ والزمانيةُ التي يزعمُ ابنُ الفارض أنها تعانقت عنده، والتي يقولُ بعدَها: إنه حين رأى النقيض عينَ نقيضه، والضد والغَيْرَ نفسَ ضده وغيرِه، انجَلَت عن بصيرته أوهامُ السِّوية، والغَيرية، فبَدَت له الحقيقةُ التي غلَّفتها بالستر =

<<  <  ج: ص:  >  >>