مَن قال: إن الغَلَبةَ للمحارِب بالنصر، ولغيرِ المحارِبِ بالحُجَّة، فعُلم أن هؤلاء المحادّين محارَبون مغلوبون.
وأيضاً فإن "المحادةَ" من "المشاقَّة"؛ لأن "المحادَّة" من الحدِّ والفصل والبَيْنُونة، وكذلك "المشاقَّة" من الشَّق وهو بهذا المعنى، فهما جميعًا بمعنى المقاطعة والمفاصَلة، ولهذا يقال: إنَما سُمِّيت بذلك لأن كلَّ واحدٍ من المتحادَّينِ والمتشاقَّينِ في حدٍّ وشِقٍّ من الآخر، وذلك يقتضي انقطاعَ الحبلِ الذي بين أهل العهدِ إذا حادٍّ بعضُهم بعضًا، فلا حَبلَ لمحادٍّ لله ورسوله.
* وأيضًا، فإنها إذا كانت بمعنى المُشاقَّة، فإن الله سبحانه قال: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: ١٢ - ١٣].
فأَمَر بقتلهم لأجلِ مشاقَّتهم ومحادَّتهم، فكلُّ مَن حادَّ وشاقَّ يجبُ أن يُفعل به ذلك لوجودِ العِلَّة.
* وأيضاً، فإنه تعالى قال: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر: ٣ - ٤].
والتعذيبُ هنا -والله أعلم-: القتلُ؛ لأنهم قد عُذِّبوا بما دونَ ذلك من الإجلاءِ وأخْذِ الأموال، فيجبُ تعذيبُ مَن شاقَّ اللهَ ورسولَه، ومَن أظهَرَ المحادَّةَ، فقد شاقَّ اللهَ ورسولَه، بخلافِ مَنْ كتمها، فإنه ليس بمحادٍّ ولا مُشاقٍّ.
° وهذه الطريقةُ أقوى في الدلالة، يقال: هو "محادٌّ"، وإن لم يكن