للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحادَّ مكبوتٌ مخزِيٌّ ممتليءٌ غيظًا وحزنًا هالكٌ، وهذا إنما يتمُّ إذا خافَ إن أظهرَ المحادَّةَ أن يُقتل، وإلاَّ فمَن أمكنه إظهارُ المحادَّة وهو آمِنٌ على دمه وماله فليس بمكبوت، بل مسرورٍ جَذْلان، ولأنه قال: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة: ٥]، والذينَ مِن قبلهم ممن حادَّ الرسُلَ وحادَّ رسولَ الله، إنما كَبَتَه الله بأن أهلَكه بعذاب من عنده أو بأيدي المؤمنين، والكَبْتُ وإن كان يَحصُلُ منه نصيبٌ لكل مَن لم ينل غَرَضَه كما قال سبحانه: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ} [آل عمران: ١٢٧]، لكن قوله تعالى: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني محادِّي الرسلِ دليلٌ على الهلاك أو كَتْم الأذى، يُبيِّنُ ذلك أن المنافقين هم من المحادِّين، فهم مَكبوتون بموتهم بغَيظِهم لخوفهم أنهم إن أظهَروا ما في قلوبهم قُتلوا، فيجبُ أن يكون كلُّ محادٍّ كذلك.

* وأيضًا، فقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١] عقب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: ٢٠] دليلٌ على أن المحَادةَ غالبةٌ ومعادة، حتى يكَون أحدُ المَتحادِّين غالبًا والآخرُ مغلوبًا، وهذا إنما يكونُ بين أهل الحربِ لا أهل السَّلْم، فعُلم أن المحادَّ ليس بمسالمٍ، والغلبةُ للرسل بالحُجَّةِ والقهر، فمن أُمر منهم بالحرب نُصِر على عدوِّه، ومنْ لم يؤمَرْ بالحرب أهُلِك عدوُّه، وهذا أحسنُ مِن قول


= (١/ ٥٧٥) (كبت). وفيه: كبت: يكبته كبتًا: صَرَعه. وقال الأزهري وغيره: أصل الكبت الكبد، فقلبت الدال تاءً، أخذ من الكبد وهو مَعدِنُ الغَيظ والأحقاد، فكأن الغيظ لمَا بَلَغ بهم مَبْلَغَه أصاب أكبادَهم فأحرقها، ولهذا قيل للأعداء: هم سُودُ الأكباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>