للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العهدُ يُنافي الذِّلَّةَ كما دلَّتْ عليه الآية، وهذا ظاهرٌ، فإن الأذَلَّ هو الذي ليس له قوةٌ يَمتنعُ بها ممن أراده بسُوء، فإذا كان له من المسلمين عهدٌ يجبُ عليهم به نَصْرُه ومَنْعُه، فليس بأَذلَّ، فثبتَ أنَّ المحادَّ لله ولرسولِه لا يكونُ له عهدٌ يَعْصِمه، والمؤذي للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُحَادٌّ، فالمؤذي للنبيِّ ليس له عهدٌ يَعْصم دَمَه، وهو المقصودُ.

* وأيضًا، فإنه قد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة: ٥]، والكَبْتُ: الإذلالُ والخِزْيُ والصَّرْعُ.

° قال الخليل: "الكَبْتُ هو الصَّرْعُ على الوَجْه".

° وقال النَّضرُ بن شُمَيل وابنُ قتيبة: "هو الغَيظُ والحزن، وهو في "الاشتقاق الأكبر" (١) من كبده، كأنَّ الغيظَ والحزنَ أصاب كَبِدَه، كما يقال: أحرَقَ الحزنُ والعداوةُ كبدَه" (٢).

° وقال أهل التفسير: "كُبِتُوا: أُهلِكوا وأُخْزُوا وحَزِنوا"، فثَبت أن


(١) الاشتقاق في اللغة: هو أخذ شق الشيء. وفي الاصطلاح: أن تجد بين اللفظين تناسبًا في المعنى والتركيب فَتَرُدّ أحدهما إلن الآخر، والاشتقاق عند الشريف الجرجاني: نَزْع لفظٍ من آخر بشرط مناسبتهما معنًى وتركيبًا، ومغايرتهما في الصيغة. وهو على أنواع: فالصغير: أن يكون بين اللفظين تناسبٌ في الحروف والترتيب نحو: ضَرَبَ من الضَّرْب. والكبير: أن يكون بين اللفظين تناسبٌ في اللفظ والمعنى دون الترتيب، نحو: جَبَذَ من الجَذْب. والأكبر: أن يكون بين اللفْظين تناسبٌ في المخرج، نحو: نَعَقَ من النَّهْقِ. ينظر: كتاب "الاشتقاق" لأبي سعيد عبد الملك الأصمعي، وكتاب "التعريفات" للشريف الجرجاني (ص ٢٧، ٢٨)، وكتاب "العَلم الخفاق من علم الاشتقاق" لأبي الطيب محمد صديق حسن خان.
(٢) ينظر "النهاية" لابن الأثير (٤/ ١٣٨)، "لسان العرب" (٦/ ٣٨٠٥)، "تاج العروس" =

<<  <  ج: ص:  >  >>