للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعيانِ الثابتة في العدم، فيَعلمُها من حيث عَلمَها الله، إلاَّ أنه من جهة العبد عناية من الله سَبَقت له، هي من جُملةِ أحوالِ عينه، يعرفُها صاحب هذا الكشف إذا أَطْلَعَه الله على ذلك، فجعل عِلمَه وعِلمَ الله من مَعدنٍ واحد.

الرابع: أنه جَعل اللَّهَ عالِما بها بعد أن لَم يكن عالِمًا، واتَّبَعَ المتشابِهَ الذي هو قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ} [محمد: ٣١]، وزَعَم أنها كلمةٌ محقَّقْةُ المعنى، بِناءً على أصلِه الفاسد أن وجودَ العبدِ هو عين وجودِ الربِّ، فكلُّ مخلوقٍ عَلِمَ ما لَم يكن عَلِمَه، فهو الله عَلِم ما لَم يكن عَلِمَه.

وهذا الكفرُ ما سبقه إليه كافر، فإنَّ غايةَ المكذِّبِ بقَدَرِ الله أنْ يقول: إن اللَّهَ عَلِم ما لَم يكن عالِمًا؛ أمَّا أنه يَجعلُ كلَّ ما تجدَّد لمخلوقٍ من العلم فإنما تجدَّد للَّه، وأنَّ اللَّهَ لم يكنْ عالمًا بما عَلِمه كلُّ مخلوق، حتى عَلِمَه ذلك المخلوقُ، فهذا لم يَفْتَرِهِ غيرُه.

الخامس: أنه زَعم أن التجلِّي الذاتي، بصورةِ استعداد المتجلِّي والمتجلَّى له، ما رأى سوى صورتِه في مرآةِ الحق، وأنه لا يمكنُ أن يَرى الحقَّ مع عِلمِه بأنه ما رأى صورتَه إلاَّ فيه، وضَرَبَ المَثَلَ بالمِرآة؛ فجَعَلَ الحقَّ هو المرآة، والصورةَ في المِرآة هي صورته!.

وهذا تحقيقُ ما ذكرتُه من مذهبه: أنَّ وجودَ الأعيانِ عنده وجودُ الحق، والأعيان كانت ثابتةً في العدم فظهَر فيها وجودُ الحق، فالمتجلَّى له -وهو العبد- لا يرى الوجودَ مجرَّدًا عن الذْوات، ما يَرى إلاَّ الذواتِ التي ظَهر فيها الوجودُ، فلا سبيلَ له إلى رؤيةِ الموجود أبدًا، وهذا عنده هو الغاية التي ليس فوقَها غايةٌ في حقِّ المخلوق، وما بعدَه إلاَّ العدمُ المَحضُ، فهو مِرآتُك

<<  <  ج: ص:  >  >>