وعليه جمهورُ المفسِّرين والمحقِّقين، وحكاه ابنُ كثير عن أكثرِ المفسرين، بل عزاه ابنُ القيم إلى السلف قاطبةً، فقال في "إغاثة اللهفان"(١)(١/ ٩٣): "والسلفُ كلُّهم على أنَّ المعنى: إذا تلا ألقى الشيطانُ في تلاوته".
وبيَّنه القرطبيُّ، فقال في "تفسيره"(١٢/ ٨٣): "وقد قال سليمانُ بنُ حرب: إن "في" بمعنى: "عند"، أي ألقى الشيطانُ في قلوبِ الكفار عندَ تلاوةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كقوله -عز وجل-: {وَلَبِثْتَ فِينَا}[الشعراء: ١٨]، أي عندنا، وهذا هو معنى ما حكاه ابنُ عطيَّةَ، عن أبيه، عن علماءِ الشرق، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي.
قلتُ: وكلامُ أبي بكرٍ سيأتي في مَحِلِّه -إن شاء الله تعالى-، وهذا الذي ذَكَرْناه من المعنى في تفسيرِ الآية، هو اختيارُ الإمام ابنِ جرير، حيث قال بعد ما رواه عن جماعةٍ من السلف (١٧/ ١٢١): "وهذا القولُ أشبهُ بتأويل الكلام، بدلالةِ قوله تعالى:{فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ}[الحج: ٥٢]، على ذلك؛ لأن الآياتِ التي أَخبر اللهُ جَلَّ ثناؤه أنه يُحكِمُها، لا شكَّ أنها آياتُ تنزيله، فمعلومٌ بذلك أن الذي ألقى فيه الشيطان، هو ما أخبر الله تعالى ذِكره أنه نَسَخ ذلك منه وأبطَلَه، ثم أحكَمَه بنسخه ذلك منه، فتأويلُ الكلام إذن: وما أرسَلْنا مِن قَبلِك مِن رسولٍ ولا
(١) انظر طبعة المكتب الإِسلامي ودار الخاني، تحقيق الأستاذ محمد عفيفي، الطبعة الثانية، (١/ ١٥٠).