° قال القاضي: ولقد طالبَتْهُ قريشٌ وثقيفٌ إذا مَرَّ بآلهتِهم أن يُقبِلَ بوجِهه إليها، ووَعَدوه الإيمانَ به إنْ فعل، فما فَعَل ولا كاد أن يَضِلَّ، وقد ذُكِرَتْ في معنى الآيةِ تفاسيرُ أُخَرُ، ما ذكرناه من نصِّ الله على عِصمةِ رسولِه بردِّ سَفْاسفها، فلم يَبْقَ في الآية إلَّا أنَّ الله تعالى امتَنَّ على رسولِه بعِصمتِه وتثبيتِه بما كادَه به الكفارُ، ورامُوا مِن فتنته، ومرادُنا في ذلك تنزيهُه وعِصمتُه - صلى الله عليه وسلم - وهو مفهومُ الآية.
وأما المأخذ الثاني: فهو مبنيٌّ على تسليمِ الحديث لو صَحَّ -أعاذنا الله من صحَّته-، ولكنْ مع كلِّ حالٍ فقد أجاب عن ذلك أئمةٌ بأجوبةٍ، منها الغَثُّ والسمين".
° قلت: فذِكرُ هذه الأجوبةِ، وضَعفُها -جُلِّها أو كلِّها-، إلَّا الأخيرَ منها، فإنه استظهره ورَجَّحه، وهو الذي أجاب به ابنُ العربيِّ فيما تقدَّم من كلامه: إنَّ الشيطانَ هو الذي ألقى ذلك في سَكتةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بين الآيتين، مُحاكيًا نَغَمَةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأشاع ذلك المشركون عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَقدح ذلك عند المسلمين لِحفظِ السورةِ قَبلَ ذلك على ما أنزلها الله، وتَحقُّقِهم مِن حالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذمِّ الأوثانِ وعَيبها على ما عُرف منه، وقد حَكى موسى بنُ عُقبةَ في "مغازيه" نحوَ هذا، وقال:"إنَّ المسلمين لم يَسمعوها، وإنما ألقى الشيطانُ ذلك في أسماعِ المشركين وقلوبهم"(١)، ويكون ما رُوي من حُزنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لهذه الإِشاعة والشبهةِ وسببِ هذه الفتنة.
(١) ونحوه في رواية عروة "رقم ٦"، وإن كان في آخرها ما يُخالف هذا.