للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فلَوْ فَرضْا أَنَّ الشَّيطانَ أَلقى على لِسانِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تلكَ الغَرانيقُ العُلا"؛ بعدَ قولِهِ: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ٢٠]، وفَرحَ المُشْرِكونَ بأَنَّهُ ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بخَيْرٍ، ثمَّ قالَ النبيُّ في تلكَ اللحظَةِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: ٢٣]، وذَمَّ الأصنامَ بذلك غايَةَ الذِّمِّ، وأَبْطَلَ شفاعَتَها غايةَ الإِبطالِ! فكَيْفَ يُعْقَلُ -بعدَ هذا- سجودُ المُشْرِكينَ، وسَبُّ أَصنامِهِم هو الأخيرُ، والعِبْرَةُ بالأخيرِ؟!.

° وُيسْتَأنَسُ بقولِهِ أَيضًا -بعدَ ذلكَ بقَليلٍ في المَلائكَة-: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: ٢٦]؛ لأنَّ إبطالَ شَفاعَةِ الملائِكةِ -إلَّا بإذنِ اللهِ- معلومٌ منهُ عندَ الكُفَّارِ بالأحْرَوَيَّةِ إبطالُ شفاعَةِ الأصنامِ المزعُومَةِ.

° وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في "فتح الباري" في تفسيرِ سورةِ "الحَجِّ" ما يُفيدُ ثُبوتَ قِصَّةِ الغَرانِيقِ.

وذَكَرَ أَنَّها ثَبَتَتْ بثلاثَةِ أَسانيدَ؛ كُلُّها على شَرْطِ الصَّحِيِح، وهِيَ مَراسيلُ؛ يَحْتَجُّ بمِثلِها مَن يَحتَجُّ بالمُرْسَلِ، وكذلكَ مَن لا يَحْتجُّ بهِ؛ لاعتضادِ بعضِها ببَعْضٍ.

واحتَجَّ أيضًا بأَنَّ الطُّرُقَ إذا كَثُرَتْ وتَبايَنَتْ مَخارِجُها؛ دَلَّ ذلكَ على أَنَّ لها أَصلاً.

ثُمَّ قالَ: "وإذا تَقَرَّرَ ذلك؛ تَعَيَّنَ تأويلُ ما وَقَعَ في القِصَّةِ مِمَّا يُسْتَنْكَرُ، وهو قولُهُ: "أَلقى الشَّيطان على لِسانِهِ: تلكَ الغَرانِيقُ العُلَا، وإنَّ شفاعَتَهُنَّ لتُرْتَجى"، فإنَّ ذلك لا يجوزُ حَمْلُهُ على ظاهِرِهِ؛ لأنَّهُ يستَحيلُ عليهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>