فقولُهُ تعالى:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ}؛ فِعْلٌ في سِياقِ النَّفْي، والفعلُ في سِياقِ النَّفْيِ مِن صِيَغِ العُمومِ؛ كالنَّكِرَةِ فِي سِياقِ النَّفْيِ عندَ المُحَقِّقينَ مِن عُلَماءِ الأصُولِ، ووجْهُهُ ظاهِرٌ؛ لأنَّكَ إذا حَلَّلْتَ الفِعْلَ انْحَلَّ إلى مَصْدَرٍ وزَمَنٍ؛ فهُو يدلُّ على نكرةٍ واقعةٍ في سِياقِ النَّفْي؛ لأنَّ نَفْيَ الفِعْلِ نفيٌ للمَصْدَرِ، الذي هُو جُزْءٌ مِن مَدْلولِهِ، فإذا قُلْنا:"لا يَقومُ زيدٌ"، عَمَّ النَّفْيُ أَفرادَ المَصْدَرِ، فكأَنَّما قلْنا:"لا قِيامَ لِزَيْدٍ".
° وقالَ أَبو حِنيفَةَ:"لا تَعْميمَ في الفِعْلِ بعدَ النَّفْيِ وَضْعًا، بل فيهِ تعميمٌ عقلِيٌّ؛ بدِلَالَةِ الالتزامِ".
وما قَصَرَ بهِ الرازِيُّ في "محصولِهِ" مذْهَبَ أَبي حَنيفةَ في عَدَم عُمومِ الفعْلِ في سِياقِ النفيِ لا يصحُّ التمسُّكُ بهِ، فانْظُرْ تحقيقَهُ في "حاشيةِ العَبَّادِي على شَرْحِ المَحَلِّي لجمعِ الجَوامعِ"؛ يظهَرْ لكَ ما ذَكَرْنا.
وقد أَكَّدَ هذا العُمومَ بقولِهِ:{مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، فلوْ قَدَّرْنا أنَّ الشَّيطانَ أَدَخلَ في القُرآنِ عَلى لِسانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تلكَ الغَرانِيقُ العُلَا" -وحاشاه مِن ذلكَ-؛ لكانَ قدْ أَتى القُرآنَ أَعْظَمُ باطِلٍ مِن بينِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ؛ فيكونُ تَصْريحًا بتكذيبِ اللهِ جَلَّ وعَلا في قولِهِ:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.
ولا حُجَّةَ في أَنَّ الله جَلَّ وعَلا نَسَخَ ما أَلقاهُ الشَّيطانُ في القرْآنِ على لِسانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ كما قالَ:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}[الحج: ٥٢]؛