والنفاق، وأن الزمن والتاريخ يضعان أحيانًا أقنعةً زائفةً على نفوسٍ تَزعُم أنها خُلقت للدفاع عن حريَّةِ الفكر؟!!.
منذ ذلك اليوم وأنا أُحِسُّ كأني فُجِعتُ في شيءٍ عزيز لديَّ: الإيمانِ بنزاهةِ الفِكرِ الحُرِّ، ولقد كنتُ أحيانًا التمسُ الأعذار لـ"فولتير"، وأزعُمُ أنه قال ما قال لا عن مجاملةٍ أو مَلَقٍ، بل عن عقيدةٍ وحُسنِ طَوِيَّةٍ، استنادًا على عِلم خاطئٍ بأخبارِ النبي، ولكن كتابه إلى البابا كان يتَّهمُه اتهامًا صارخًا، ولا يَدَع مجالاً للشك في دَخيلةِ أمرِه، إني قرأتُ لـ"فولتير" كُتبًا أخرى كانت تَكشِفُ عن آراءَ حُرَّةٍ حقًّا في مسائِل الأديانِ، وتنمُّ عن رُوح واسعةِ الآفاقِ تكرهُ التعصُّبَ الذميمَ، فما بالُه عندما عَرَض لذِكرِ "محمدٍ والإسلام" كَتب شيئًا هو التعصبُ بعينه، تَعصُّبٌ لدينهِ ذهب فيه إلى حدّ السجودِ وتقبيل الأقدام، لا لرب العِزة والخَلقِ، بل لبشر هو رئيسُ الكنيسة التي ما أرى أن "فولتير" كان ذاتَ يومٍ من خُدَّامها المخلِصين.
وإنما هي الأطماعُ التي كانت تَدفعُ "فولتير" -فيما أرى- إلى التمسُّح بأعاتبِ الملوك والبابوات، وقد يُقدمُ ثَمَنًا لذلك أفكارَه الحُرة أحيانًا، منذ ذلك الحين، و"فولتير" عندي مُتَّهمٌ، ولن أبرِّئه أبدًا، ولن أَعُدَّه أبدًا من بين أولئك العِظام الذين عاشُوا بالفِكرِ وحدَه، وللفكرِ، وأحسَبُ أن التاريخَ العادلَ سوف يَحكُمُ عليه هذا الحُكمَ، فينتقمُ للحقِّ بما افتراه على نَبيٍّ كريم ظلمًا وزُورًا.
على أن الذي يدعُو إلى الدَّهَشِ أكثَرَ مِن كل هذا: أن الشرقَ والإسلامَ وَقَفَا مِن هذا الأمرِ موقفَ النائم الذي لا يَعِي ولا يَشعُرُ بما يَحدُثُ حولَه،