للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محاربتِه، ففي كتابِه السابقِ يتناول محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في تِسْع شَذَراتٍ من بينِ الشَّذَرات التي يَضُمُّها هذا الكتاب، ويَعقِدُ في أحدِها مقارنةً بين محمدٍ والمسيح، يقول فيها: "إن محمدًا لم يَجْرِ التنبؤُ بظهورِه في "العهدِ القديم" في حينِ جرى التنبؤُ بظهور المسيح، ومحمدٌ كان يقترفُ القتلَ في حين كان المسيحُ يَدَعُ أتباعَه يُقتلون، ومحمدٌ كان يُحرِّمُ القراءةَ في حين كان الحواريُّون يأمُرون بالقراءة، ومحمدٌ صادف نجاحًا دنيويًّا، في حين كان المسيحُ مغلوبًا على أمرِه، وانتهى به الأمرُ إلى الصلب .. " إلخ.

وكان "بسكال" يَفتقدُ لدى محمدٍ عدمَ إتيانِه بالمعجزات، كما أن تعاليمَه لم تشتملُ على أسرارٍ (كما هو الشأن في المسيحية)، ويُنكر "بسكال" على محمدٍ الأخلاقَ "السيئة" التي أتى بها، كما يُنكِرُ عليه تصوُّراتِه الحسِّيةَ للجنة، ويقول:"إنه لم يَجِدْ في هذا الدينِ سببًا يحملُه على قبولِه؛ لأنه دينٌ ليس فيه أيُّ أمارةٍ من أماراتِ الحقيقة" (راجع بفانموللر ص ١٤٩).

هذا هو "بسكال" الفيلسوف، والفلسفةُ تعني البحثَ عن الحقيقة -كما يدَّعون- وتَعني التجرد التامَّ والنزاهةَ والموضوعية، وتَرفُضُ التقليدَ وقبولَ الأحكام المسبقة، ولكنَّ "بسكال" كان في موقفِه من الإسلام ونبيِّه يَفتقدُ كلِّ هذه الصفات، وبَرهَنَ على جَهلٍ فاضحٍ، وراح يتبنَّى الآراءَ الكاذبةَ السائدة حينَذاك حولَ الإسلام ونبيّه، شأنُه في ذلك شأنُ رجل الشارع، فأساء لنفسِه وللفلسفةِ وللحقيقةِ بصفةٍ عامة (١).

أساطيرُ وأكاذيبُ ومزاعمُ وشتائمُ ووقاحةٌ وتطاولٌ وتسفُّلٌ من مفكِّري


(١) المصدر السابق (ص ٩٧ - ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>