محمدًا أحق الأنبياء، ولكن يعتبرُه نبيًّا حقيقيًّا، أمَّا الرأيُ السائدُ عن حقيقةِ محمدٍ -والذي يتمثلُ في أنه كان دجَّالاً متعمِّدًا، وأن دينَه عبارةٌ عن خليطٍ من الدَّجَل الطبِّي والإسفاف-، فإن "كارلايل" يعتبرُه رأيًا باطلاً.
° "فالأكاذيبُ التي عَمِل على تراكُمِها الحماسُ المنبعثُ بحُسنِ نيةٍ حول هذا الرجل -يقصد محمدًا- لا تَسُبُّ أحدًا غيرَنا".
° وأكثرُ من ذلك، يَصِفُ "كارلايل" محمدًا بأنه كان "نَفْسًا عظيمةً وهادئةً، لقد كان واحدًا من هؤلاء الذين استطاعوا أن يأخُذوا الأمورَ بجِدية، والذين وجهتهم الطبيعة نفسها لكي يكونوا مستقيمين".
فالأصالةُ والاستقامةُ هما الصِّفتانِ المميِّزتانِ لأخلاقه، ولكن هذه الاستقامةَ كانت تشتملُ على شيءٍ إلهي، "فكلمةُ مثل هذا الإنسانِ هي صوتٌ مباشرٌ من قلبِ الطبيعة الحقيقية".
ولم يكن محمدٌ في حياته الشخصية من عُشَّاقِ اللذَّةِ على الإطلاق، فقد كان مَتاعُ بيتِه يُعَدُّ من أكثرِ الأمورِ اعتدالاً، ومع ذلك "فلم يَحْظَ أيُّ قيصر بتاجِه بالطاعةِ مثلما حَظِيَ هذا الرجلُ بردائه الذي كان يُرقِّعُه بيده".
أمَّا القرآنُ، فإن "كارلايل" يُطلِق عليه أنه "بَلبلةٌ ثقيلةٌ ومحيِّرةٌ، فهو ساذَجٌ ومُجدِبٌ، يشتملُ على تكرير وإسهابٍ وتشابُكٍ لا حدَّ له، وهو جافٌّ وغيرُ ناضج، وباختصارٍ هو سُخفٌ لا يُطاق".
ومع ذلك تكمنُ فيه قيمةٌ أخرى تختلفُ تمامًا عن القيمةِ الأدبية، فهو بمثابةِ تخمُّرٍ مُبهَمٍ لنفس إنسانيةٍ كبيرةٍ وساذجة، غيرِ ناضجةٍ، وغيرِ مُثقفة، ولم تكن تستطيعُ حتى أن تقرأَ، ولكنها نَفْسٌ جادَّة، وتَفيضُ حماسًا،